قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:12]
نَهَى اللهُ تَعَالى في هذه الاية ، المُؤْمِنينَ عَنْ أن يَتَجَسَّسَ بَعُضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا نَهَاهُمْ عَنْ أنْ يَتَتَبَّعَ بَعْضُهُم عَوْرَاتِ بَعْضٍ، وَعَنْ أنْ يَبْحَث الوَاحِدُ مِنْهُمْ عَنْ سَرَائِرِ أخِيهِ، وَهُوَ يَبْتَغِي بِذِلَكَ فَضْحَهُ، وَكَشْفَ عُيُوبِهِ.
تثار بعد فترة واخرى تسجيلات صوتية او تسجيلات تنصت على اشخاص سواء ذات شأن عام او خاص ، وبغض النظر عن القناعات السياسية للمتنصت عليه ، وعن ماتكلم به الجلسات الخاصة او حتى الجلسات او التجمعات المحدودة ، نحن في العراق نأكل بانفسنا لحد الجشع ، وسنصل الى ان نفقد الثقة بانفسنا وحتى قبل الغير .
من الحقوق الاساسية التي يسعى الدستور لحمايتها هي الحق في الحياة الخاصة وقد حرص على ذلك في نص المادة (17/ أولاً وثانياً) من الدستور على ان ( لكل فردٍ الحق في الخصوصية الشخصية، بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين، والآداب العامة .وحرمة المساكن مصونةٌ، ولا يجوز دخولها أو تفتيشها أو التعرض لها إلا بقرارٍ قضائي، ووفقاً للقانون ) .
اما تشريعياً فقد جرم قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة بحرية الانسان حيث نصت المادة ( ٤٣٨ / ١ و ٢ )منه ( يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار او باحدى هاتين العقوبتين.
من نشر باحدى طرق العلانية اخبارا او صورا او تعليقات تتصل باسرار الحياة الخاصة او العائلية للافراد ولو كانت صحيحة اذا كان من شأن نشرها الاساءة اليهم.
من اطلع من غير الذين ذكروا في المادة 328 على رسالة او برقية او مكالمة تلفونية فأفشاها لغير من وجهت اليه اذا كان من شأن ذلك الحاق ضرر بأحد ) .
ويتضح مما تقدم ان القانون العراقي يعاقب على افشاء اسرار الحياة الخاصة ولاي سبب خاصة اذا كانت تلحق الضرر بأحد ، اما اذا كان التنصت من موظف او مكلف بخدمة عامة فستكون العقوبة مشددة .
الاشكالية تكمن في خطورة هذه الجريمة مع التطور الالكتروني السريع لاجهزة الهاتف والحاسبات وغيرها ، وكذلك زيادة وسائل التنصت بالاجهزة الحديثة لتكون من بعد قد يكون اكثر من 2000 متر وايضا التجسس على وسائل التواصل الاخرى كالايميلات ووسائل التواصل الاجتماعي .
وللاسف ان يستخدم التنصت على شخوص عامة وبدون اي حق قانوني ، وللاسف اكثر ان الدولة تتعامل مع ملف التنصت بانتقائية وكيفية كبيرة ومزاجية لاغراض غير الاغراض المحددة لاجهزتها المختصة .
ولكون هذه الانواع من التنصت والتجسس قد تتجاوز الى العوائل وصورهم الشخصية وتكون ادوات للابتزاز والمساومات والتهديد ، وكون هذه الانواع من التنصت والتجسس الشخصي قد يسبب الكثير من المشاكل الاجتماعية والمجتمعية ، لذا نهيب بالمشرع العراقي وبناءً على التطور الحاصل في مجال الاتصالات ان يعدل المواد العقابية انسجاماً مع النص الدستوري اعلاه ، ولتكون ردعاً مهماً لمن يمتهن هذا الاسلوب الذي عاقبت عليه الشرائع السماوية قبل البشرية وكذلك فتح التحقيقات في هذا الشأن ومحاسبة كل مكلف بخدمة عامة استخدم صلاحياته الحكومية لاغراض خاصة .