مع بداية نشوب الأزمة الروسية الأوكرانية اتخذت عواصم العالم سلسلة
مواقف متباينة بحسب ماتراه مناسبا لمصالها الأقليمية منها والداخلية.. لكن دول
الشرق الاوسط وبضمنها دول مجلس التعاون الخليجي وايران وتركيا ركزت في مواقفها على
طبيعة وخصوصية علاقاتها الإقتصادية والسياسية والأمنية مع هذه الطرف او ذاك من بين
أطراف الأزمة... هنا بعض الاضاءات على المواقف العربية والأيرانية والتركية.
▪︎ الموقف العربي
قلق عربي خصوصا في دول (الخليج) من مواقف أمريكية متنصلة عن دعم
حلفائها في أكثر من مكان، في أفغانستان وأوكرانيا والساحة العراقية مازالت تأن مما
ترتب من قيادتها لحرب ٢٠٠٣. وتماشيا مع هذا القلق يؤكد (ديمتري بيسكوف) المتحدث
باسم الكرملين: "يجب أن تصبح أوكرانيا دولة محايدة وأن لا يتم نشر أسلحة
هجومية فيها"، موضحا بأن "طول العملية العسكرية الروسية في
أوكرانيا يعتمد على كيفية تقدمها"، وأشار (بيسكوف) إلى أن "الهجوم يجب
أن يطهر البلاد من النازيين"، وأكد المتحدث باسم الكرملين على وجوب
"تحييد" الإمكانات العسكرية لكييف، مشددا على أن "هدف العملية
العسكرية الروسية هو منع عسكرة أوكرانيا لأن هذا يشكل تهديدا لشعبنا"،
(بيسكوف) ألمح إلى أن موسكو مستعدة "للتفاوض مع أوكرانيا بشأن حيادها ورفض
نشر أسلحة للناتو على أراضيها".
"هناك من يريد أن ينفذ الأجندة الأمريكية على حساب مصالح الشعب
الأوكراني الذي تحاول أمريكا جعله معسكرا للتهديد فقط وقد تركته لوحده يواجه مصيره
المرعب أمام آلة حربية روسية متطورة أصابت أوربا بالذعر الشديد. روسيا تريد السلام
الذي يهدد المصالح الأمريكية في العالم ..والسلام لا تصنعه قواعد الناتو على
الأراضي الأوكرانية التي فتحتها المجنزرات الروسية بسهولة".
يعتقد أن الحرب لن تتطور إلى أبعد من هذا الحد
..فهي لم تكن متوقعة ذلك إن أوربا بالتحديد ليست مستعدة وغير مرحبة بحرب
نيابة عن الولايات المتحدة مع روسيا .. ممكن يحدث إنقلابا من الداخل أو فرار الرئيس
الأوكراني إلى منفى أو شيء من هذا القبيل لكن يبدو إن أمريكا كانت مستعدة للتضحية
بالنظام الأوكراني بسهولة لتكتشف مدى الجدية الروسية في المحافظة على السلام أمام
مساع أمريكية حثيثة للحرب (الإرهاب مادة حياة الإدارة الأمريكية).
ومع ذلك فأننا إلى الآن لا نرى حربا بمعنى الحرب فكل ما
حدث إلى الآن هو أن روسيا تحطم الآلة العسكرية الأوكرانية (الورقية) بسرعة قياسية
و(النازيين) في كييف لا يقوون على مجرد الصراخ من الضربات الروسية التي أصابتهم
بمقتل.
▪︎ الموقف الإيراني
الآن وقد شنَّت القوات الروسية هجوماً عسكرياً على
أوكرانيا. من وجهة نظر تحليلية، نرى أنّ هذا الهجوم يهدف إلى تحقيق خمسة أهداف هي:
1 ـ يسعى الروس للسيطرة على الحدود المشتركة بين
روسيا وأوكرانيا.
2 ـ ستعمل روسيا على تمكين بعض الأقاليم الأوكرانية
المجاورة من الاستقلال.
3 ـ سوف تقوم روسيا بتدمير البنى التحتية العسكرية
لأوكرانيا.
4 ـ محاولة إحلال حكومة وقيادة أوكرانية جديدة موالية
لروسيا تسيطر على مفاصل الحكم في أوكرانيا.
5 ـ إخراج أوكرانيا من المحور الأوروبي-الأمريكي ودفع
حلف الناتو للتراجع عن الحدود الروسية.
لا نعتقد بحالٍ من الأحوال أن الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين يسعى لإعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي، فهو يدرك أن العالم تغير من الناحية
الجيوسياسية وأن ضم دول إلى روسيا يتطلب وفرة في الموارد الاقتصادية وصلابة في
مركزية موسكو. على أي حال ما نحاول طرحه في هذه المقالة هو تأثير هذه الحرب على
إيران وسياستها الخارجية.
فبينما يشن الروس هجوماً على أوكرانيا، يعود رئيس الوفد
الإيراني المفاوض (باقري كني) إلى طهران للحصول على تفويض سياسي بإقرار النسخة
النهائية للاتفاق بين إيران والقوى العظمى. يبدو أنّه تم الاتفاق على العديد من
النقاط وأن النقاط الخلافية لا تتجاوز الـ5%.
ولكن هذه النقاط الخلافية تمثل أصل النزاع بين الولايات
المتحدة وإيران. يقرأ صناع القرار الإيراني الحرب الروسية على أنها تراجع في قدرات
الردع الأمريكية/ ولذلك فإن الهجوم الروسي يأتي في مرحلة حساسة للغاية قد تدفع
القيادة الإيرانية إلى إعادة التفكير بحجم التنازلات التي ستقدمها طهران للوصول
إلى اتفاق.
بعد الانسحاب أحادي الجانب من قِبَل الرئيس الأمريكي
السابق دونالد ترامب من خطة العمل المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني) توجهت طهران
نحو تركيز مفاصل السلطة بيد الأصوليين، وذلك لإظهار صلابة ووحدة الموقف الإيراني
من العلاقة مع الغرب عموماً ومع الولايات المتحدة بشكل خاص.
وبالفعل فالمشهد السياسي لصناع القرار الإيراني منسجم
نسبياً، ولكن الخلاف بين التيار الأصولي بجميع أطيافه ظهر ليس حول التفاوض المباشر
وغير المباشر مع الولايات المتحدة، وإنما الخلاف يتمحور حول فاعلية التفاوض في هذا
الوقت بالذات.
يعتقد جانب من التيار الأصولي (وهم متنوعون؛ فقسم منهم
ينتمي إلى دائرة صنع القرار الضيقة، وقسم آخر أكاديمي ذو سمعة مرموقة في الأوساط
الجامعية، وقسم آخر متواجد في وسائل الإعلام الحكومية) أن الوقت الحالي غير مناسب
للانخراط في مفاوضات مع الولايات المتحدة.
ويسوق هؤلاء العديد من الأدلة، أهمها أن إيران استطاعت
خلال السنوات الثلاث الماضية أن تبتكر طرقاً للالتفاف على العقوبات الأمريكية.
فإيران خضعت للعقوبات منذ أربعين عاماً، وهي قادرة على التأقلم مع أي عقوبات
أحادية أو متعددة الأطراف. ناهيك عن أن العقوبات الأممية لن تتجاوز آثارها
العقوبات الأمريكية الخانقة. فكما يقول المحلل الإيراني يوسف عزيزي إن العقوبات
بالحد الأقصى قد فشلت باعتراف المسؤولين الأمريكيين أنفسهم.
كما يرى هؤلاء أن إيران، خلال العام الأخير فقط، استطاعت
أن تصدر ما يقارب مليوناً ونصف المليون برميل من النفط يومياً. وبذلك فقد تم تحييد
الآثار السلبية للعقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني، وذلك حسب ما يقول بعض
الأكاديميين الإيرانيين بنظرية تهميش النفط في معادلات التنمية الاقتصادية للبلاد.
لقد جاءت الحرب الروسية على أوكرانيا معزّزة لنظرية
المخالفين للتفاوض الحالي، فهم يعتقدون أن إيران يجب أن تتجه نحو العتبة النووية
في الحد الأدنى والسلاح النووي في الحد الأعلى، قبل الانخراط في مفاوضات مع
الولايات المتحدة. ويعزز هؤلاء من نظريتهم هذه بالقول إن السلاح النووي يخلق قدرة
ردع تمنع من تعرض البلاد للغزو الخارجي، ويستدلون على ذلك بتخلي أوكرانيا عن
سلاحها النووي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بضغط روسي-غربي-أمريكي.
من لقاء الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس الروسي
فلاديمير بوتين في موسكو، روسيا/ TASS
ويقول بعض أنصار نظرية الردع الفعال إنه لو لم تتخلَّ
أوكرانيا عن سلاحها النووي في 1994 لما استطاعت روسيا أن تتخذ قراراً بشن هجوم
عسكري ضدها.
ومن الناحية الاقتصادية، فقد أشار أستاذ العلوم السياسية
في جامعة طهران الدكتور فؤاد إيزدي إلى أن إيران (التي لا تمتلك سلاحاً نووياً) هي
الدولة الأكثر تعرضاً للعقوبات الأمريكية بواقع نحو 1700 نوع من أنواع العقوبات
التي تطال المجالات العسكرية والبنكية والنفطية والأكاديمية والصحية والنقل.. إلخ.
بينما تقبع كوريا الشمالية (التي تمتلك سلاحاً نووياً) في مراكز متأخرة عن إيران.
ينظر الإيرانيون إلى التوتر الذي تشهده العلاقات الغربية
مع كل من الصين وروسيا على أنه نقاط إيجابية تصب في مصلحة إيران التي تتجه نحو
المعسكر الشرقي شيئاً فشيئاً بعد فشل إدارة روحاني السابقة في تحقيق النمو
الاقتصادي والاستقرار السياسي بالتعويل على الغرب.
كما يقرأ الإيرانيون مشهد الشرق الملتهب بعناية، فهم على
يقين بأن الصين على طريق روسيا وما هي إلا أسابيع أو أشهر حتى تتجه الصين نحو
السيطرة على "تايوان".
الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان، والهجوم الروسي
على أوكرانيا، والهجوم الصيني المحتمل ضد تايوان كلها مؤشرات تقرأها طهران بعناية
وهي تتجه نحو اتخاذ قرارها الحاسم؛ إما بإكمال التفاوض مع الولايات المتحدة دون
تقديم تنازلات جوهرية ودون التخلي عن الخطوط الحمر، أو ترك طاولة المفاوضات لحين
تغير المطالب الأمريكية والوصول إلى "العتبة النووية"؛ لتعود طهران إلى
طاولة المفاوضات بأوراق رابحة تعزز من موقفها التفاوضي.
▪︎ الموقف التركي
معظم المراقبين يذهبون الى ان فرضية استجابة تركيا لضغوط
الغرب ووقف حركة الملاحة أمام روسيا في مضيقي البوسفور والدردنيل والانضمام لقائمة
الدول التي تفرض عقوبات على موسكو، فإنها بذلك اي تركيا ستعرض مصالحها وعلاقاتها
الإستراتيجية مع روسيا لخطر كبير، أبرزه فقدانها إمدادات الطاقة التي تلبي 40% من
احتياجات الأتراك، وفي المقابل في حال الرفض الرسمي المطلق فإن ذلك قد يفسر
تفسيرات أخرى ويهدد جدار العلاقات مع الغرب الذي تحاول أنقرة قدر الإمكان الإبقاء
عليه دون شروخ.
▪︎ الموقف الروسي
بحسب المعلن فأن الموقف الروسي تمثل برؤية الرئيس
فلاديمير بوتين للإزمة الناشبة بقوله :
نريد السلام! أردنا أن نتحدث ونتفاوض. وفقًا لاتفاقيات
مينسك، أعطينا أوكرانيا فرصة لإعادة دمج جمهوريات دونباس. تحتاج أوكرانيا فقط إلى
وقف إطلاق النار على المناطق السكنية والاستماع إلى الأشخاص الذين يعيشون هناك.
أردنا التحدث إلى أوروبا والولايات المتحدة، ولكن رداً
على ذلك واجهنا فقط إهمالاً لأسئلتنا.
طوال هذه السنوات، دعم الغرب النظام الأوكراني، ودفعه
إلى الحرب مع روسيا. طوال هذه السنوات طلبنا عدم تسليح جيراننا، لأن هذه الأسلحة
تستخدم ضد المدنيين في دونباس.
تم تجاهل رأينا. عند حدودنا صنعوا رأس جسر للناتو وضاقت
الدائرة حولنا بينما استمرنا في خنق العقوبات على أشياء لم تفعلها روسيا
لم نضم القرم - تم الاستفتاء فعاد إلينا.
نحن لم نقاتل في دونباس - لقد كانت الحرب الأهلية في
أوكرانيا.
لكن الآن شنت أوكرانيا هجومًا على جمهوريات دونباس التي
تعترف بها روسيا. ورئيس اوكرانيا في منتدى دولي يعلن رغبته في امتلاك سلاح نووي
لتهديد روسيا
الشعب الأوكراني شعب شقيق للروس، لكن قيادته والولايات
المتحدة تقودهم إلى الهاوية، تبشر بالكراهية لروسيا.
سنساعد في تحرير شعب أوكرانيا الشقيق.
أوكرانيا ستكون حرة ومستقلة. وودود لروسيا. نريد من
الولايات المتحدة أن تتراجع عن حدودنا وأن تتوقف عن اعتبار أوكرانيا دميتها.
عمليتنا هي حفظ السلام وتهدف فقط إلى تجريد بلد مجاور من
السلاح. لا يجب أن يعاني أحد من مدني البلد الشقيق!
نحن من أجل السلام! لا للحرب! ولكن علينا فرض السلام
وتهدئة المعتدين.
نحن للعالم!
أردنا أن نتحدث ونتفاوض.
من خلال اتفاقيات مينسك، أعطينا أوكرانيا فرصة لإعادة
دمج جمهوريات دونباس. تحتاج أوكرانيا فقط إلى وقف إطلاق النار في الأحياء السكنية
وسماع الأشخاص الذين يعيشون هناك.
أردنا التحدث إلى أوروبا والولايات المتحدة، ولكن في
المقابل لاحظنا تجاهل أسئلتنا فقط.
طوال هذه السنوات، كان الغرب يدعم النظام الأوكراني،
ويدفعه إلى الحرب مع روسيا. طوال هذه السنوات طلبنا عدم تسليح جيراننا، لأن هذه
الأسلحة تستخدم ضد المدنيين في دونباس.
تم تجاهل آرائنا. على حدودنا صنعوا حلف شمال الأطلسي،
كانت الحلقة من حولنا تضيق، بينما كنا نختنق بالعقوبات لما لم تفعله روسيا.
لم نضم شبه جزيرة القرم - لقد أجرت استفتاء وعادت.
نحن لم نقاتل في دونباس - لقد كانت حرب أهلية في
أوكرانيا.
لكن الآن بدأت أوكرانيا هجومًا على جمهورية دونباس التي
تعترف بها روسيا. ورئيس أوكرانيا في منتدى دولي يعلن رغبته في امتلاك أسلحة نووية
لتهديد روسيا
الشعب الأوكراني شعب روسي شقيق لكن قيادته والولايات
المتحدة تقودهم نحو الهاوية تبشر بالكراهية تجاه روسيا.
سنساعد في تحرير شعب أوكرانيا الشقيق.
أوكرانيا ستكون حرة ومستقلة. وودود لروسيا. دع الولايات
المتحدة تتراجع عن حدودنا وتتوقف عن اعتبار أوكرانيا كدمية.
تهدف عمليتنا لحفظ السلام فقط إلى تجريد البلد المجاور
من السلاح. لا يجب أن يعاني أحد من المدنيين في دولة شقيقة!
نحن للعالم! لا توجد حرب! ولكننا مجبرون على فرض العالم
وتهدئة المعتدين.