دراسة في مستقبل علاقات العراق الخارجية

'(( تطور البلدان وتنمية اقتصادياتها ومجتمعاتها ومواردها كلها ترتبط بمدى الإستقرار الجيو سياسي، وفي بلدان العالم المتقدم نرى الإنعكاس الحقيقي لهذا الإستقرار في نوعية ومستوى وطبيعة الإدارة الحكومية وندرة الأزمات المتجذرة الى جانب قدرتها السلسة على معالجة الأزمات الطارئة من دون خسائر أو تأثيرات جانبية تذكر. الملاحظ ايضا أن الاستقرار الداخلي يفضي الى الإستقرار الخارجي لخلق منظومة علاقات مستقرة ومتكافئة ومثمرة تنعكس هي الأخرى بنتائجها على استقرار المجتمع واقتصاده وتطورهما معا على شتى المستويات.
بلد مثل العراق مر في تأريخه المعاصر بسلسلة منعطفات على الصعيد الداخلي كذلك الحال تأثره بالمتغيرات الأقليمية والدولية، ناهيك عن إفتقاره لمنظومة حكم راسخة ومستقرة طويلة الأمد واضحة الرؤية والتوجه إبتداء من الحكم الملكي الى الجمهوري الذي توزع على حقب تراوح مداها بين 5 - 25 سنة مع كل ماشهدته هذه الحقب من أزمات وعواصف سياسية وارتدادات كارثية طالت مختلف مناحي الحياة. لذا نجد من الصعوبة بمكان خلق علاقات خارجية مستدامة مع دول الجوار الأقليمي على الأقل لضمان تأمين الإنفتاح على العالم الخارجي برمته على اساس لعبة تبادل المصالح عن بعد.
الباحثان صباح النور ومحمد الغريفي أنصب اهتمامهما بمستقبل العلاقات الخارجية للعراق، في إطار دراسة بحثية متخصصة تحت عنوان..
'علاقات العراق الخارجية ومستقبلها

مقدمة :
تعكس السياسة الخارجية لأي بلد طبيعة النظام ونظرة نخبه السياسية لمصالح البلد العليا التي يتأثر تحديدها ليس فقط بطبيعة النظام، بل ايضا بمدى تمثيله لمصالح اغلبية المجتمع وتطور مؤسساته ووضوح نظامه السياسي.. هذا في الوضع الطبيعي ومن الناحية النظرية حيث السياسة الخارجية تعبر ايضا عن توجهات النظام لتكون انعكاسا لسياساته الداخلية، فالدول التي تملك نظاما سياسيا يعكس حقائق الحياة السياسية، ويمثل كل فئات المجتمع ولديه مؤسسات مستقرة تكون قادرة وبسهولة على انتاج سياسة خارجية للدولة تمثل فعلا مصالح الدولة وعلى اساس ثوابت مقبولة، بحيث لا تتغير بتغير الاشخاص الا بالقدر الضروري الذي تفرضه اية تطورات تستدعي التغيير, ولا يمكن توقع سياسة خارجية فعالة لبلد وضعه الداخلي غير متماسك فبالنتيجة السياسة الخارجية هي استجماع عناصر القوة الداخلية وصياغتها وفق الوضع الجغرافي السياسي والعلاقات الخارجية بكل ما فيها من مصالح متبادلة ومن الخطأ تصور نجاح السياسات الخارجية لبلد فقط بسبب مهارة دبلوماسييه رغم اهمية هذا العامل اذ ان السياسة الخارجية هي محصلة قوة العوامل الداخلية والخارجية
تعتبر السياسة الخارجية من أهم مجالات البحث في العلاقات الدولية، لأن من خلالها تتبلور العلاقات بين الدول، ولفهم هذه العلاقات يجب فهم السياسة الخارجية. وهذه الأخيرة لم تستقل عن مجال العلاقات الدولية إلا بعد الثورة السلوكية. وفي بداية الستينات من القرن الماضي تطورت ظاهرة السياسة الخارجية تطورا واضحا وذلك لتعدد قضاياها وتزايد الوحدات الدولية وتنوعها في النظام الدولي، مما اكسب دراستها أهمية بالغة.

اهمية البحث
تتجلى اهمية البحث السياسة الخارجية في فهم التوجهات الخارجية للدول في علاقاتها فيما بينها وتفسير اسباب تبلور السياسة الدولية في انماط مختلفة في النسق الدولي ،كما ان دراسة السياسة الخارجية تمكننا من كشف وفهم الاستراتيجيات القومية للدول تجاه بيئاتها الخارجية، سواء كانت هذه الدول كبرى او اقليمية ومدى نفوذها وحجم ادوارها الخارجية ، كما تمكننا كذلك من معرفة اسباب ضعف ادوار دول اخرى .

اهداف البحث
يهدف هذه البحث الى كشف الغموض عن مفهوم السياسية الخارجية ، من خلال التطرق لمختلف تعريفاتها للانتهاء بتعريف اجرائي لها ،وكذلك التعرف على اهم خصائصها وتوجهاتها وبتحديد محدداتها وتأثير الدول عليها واخير بمستقبل السياسة العراقية .

اشكالية البحث
يأتي هذه البحث في شكل نظري لكشف الغموض عن مفهوم السياسة الخارجية بشكل عام مجيبة عن السؤال المركزي التالي, ماهي توجهات ومحددات السياسة الخارجية وما هو مستقبلها ؟
ومن هذه الاشكالية العامة تتفرع الاسئلة الفرعية التالية:
مامفهوم السياسة الخارجية ؟
ماهي اهداف السياسة الخارجية ؟
ماهي اهم محددات السياسة الخارجية ؟
ماهو تأثير الدول على السياسة العراقية؟
ماهو مستقبل السياسة العراقية؟
وحتى نجيب عن هذه الاسئلة نختبر الفرضيات التالية:
كلما كان مفهوم السياسة الخارجية ادق، كان تفسيره لواقع السياسة الدولية اشمل .
السياسة الخارجية للدول لا تقبل عدة توجهات.
قوة السياسة الخارجية للدول تخضع لطبيعة محدداتها
ومن اجل اختبار الفرضيات السابقة اتبعنا مقاربة منهجية مركبة حيث اعتدمنا كل من المنهج الوصفي والمنهج المقاربة بالاضافة الى الاستعانة بكل من النظرية الواقعية والمثالية في العلاقات الدولية.

تمهيد :
يتناول هذا المبحث مفهوم السياسة الخارجية، بدءا من تحديد تعريف للسياسة الخارجية واهداف السياسة الخارجية, ومحددات السياسة الخارجية.
تعريف السياسة الخارجية – اختلف الكثير من المفكرين في تحديد مفهوم السياسة الخارجية بشكل دقيق، وذالك لاختلاف منطلقات كل منهم في تعريفه لها, ويمكن عرض بعض تعريفاتها في ثلاث اتجاهات.
الأول: يعرف السياسة الخارجية على أنها مجموعة برامج.
من أهم رواد هذا الاتجاه، الدكتور ”محمد السيد سليم” إذ عرف السياسة الخارجية بأنها” برنامج العمل العلني الذي يختاره الممثلون الرسميون للوحدة الدولية من بين مجموعة من البدائل البرنامجية المتاحة من اجل تحقيق أهداف محددة في المحيط الخارجي.
يعقب الدكتور احمد النعيمي على هذا التعريف على انه تعريف دقيق ،ينطوي على الأبعاد التالية: الواحدية والرسمية والعلنية والاختيارية والهدفية والخارجية والبرنامجية.
هذه الخصائص بالفعل تميز السياسة الخارجية، إلا أن هذا التعريف حدد السياسة الخارجية على أنها مجرد برنامج مسطر ومحدد الأهداف وعزلها عن تأثير البيئتين الداخلية والخارجية، وهو ما قد يشيب الفهم الصحيح للسياسة الخارجية لأنها ليست فقط مجرد برنامج أو تحديد لأهداف معينة وإنما هي كذالك مزيج من سلوكيات عديدة لصانع القرار في الدولة وتفاعلها مع البيئتين الداخلية والخارجية.
كما يؤخذ على تعريف الدكتور “محمد السيد سليم” عدم تحديده لطبيعة الوحدة الدولية التي قصدها في تعريفه، فالوحدات الدولية في النظام الدولي متعددة فقد تكون دول أو منظمات دولية …الخ .
ثانياً: يعرف السياسة الخارجية على أنها سلوك صانع القرار.
من أهم رواد هذا الاتجاه “تشارلز هيرمان” الذي عرف السياسة الخارجية بقوله “تتألف السياسة الخارجية من تلك السلوكيات الرسمية المتميزة التي يتبعها صانعوا القرار الرسميون في الحكومة أو من يمثلونهم والتي يقصد بها التأثير في سلوك الدولة الخارجية .
كما يعرف “مازن الرمضاني “السياسة الخارجية بأنها “السلوك السياسي الخارجي الهادف والمؤثر لصانع القرار.
ويؤيدهما في هذا الطرح المفكر “ريتشارد سنايدر” باهتمامه في دراسته للسياسة الخارجية بالبعد الإدراكي لصانع القرار، فيرى”أن الدولة تحدد بأشخاص صانعي قراراتها الرسمين ،ومن ثم فان سلوك الدولة هو سلوك الذين يعملون باسمها .وان السياسة الخارجية عبارة عن محصلة القرارات من خلال أشخاص يتبوؤون المناصب الرسمية في الدولة .
لقد انطلقت هذه التعريفات من الدمج بين السياسة الخارجية وسلوكيات صانع القرار فحصروا السياسة الخارجية في إدراك صانع القرار وسلوكه و في هذه الحال لم يتم التمييز بين السياسة الخارجية وعملية صنع القرار. فالسياسة الخارجية اشمل من عملية صنع القرار واشمل كذلك من أن تكون مجرد سلوك لصانع القرار, إلا أن سلوك صانع القرار يمكن أن يساهم في توجيه السياسة الخارجية. لكن السياسة الخارجية هي نشاط موجه للبيئة الخارجية هي في هذه الحال تتميز عن سلوك صانع القرار.
إذا يمكن القول أن سلوك صانع القرار هو بداية العمل في السياسة الخارجية وأن النشاط وتحقيق الأهداف هما جوهر السياسة الخارجية.
ثالثاً: يعرف السياسة الخارجية على أنها نشاط.
انطلاقا من حصر الاتجاه السابق السياسة الخارجية في سلوك صانعي القرار، رأى اتجاه ثالث أن السياسة الخارجية لا يمكن أن تنطبق فقط على سلوكيات صانعي القرار في الدولة وإنما تنصرف إلى النشاط الخارجي والحركة الخارجية للدول.
في هذا الإطار قدم “حامد ربيع” تعريفا للسياسة الخارجية على أنها “جميع صور النشاط الخارجي حتى ولو لم تصدر عن الدولة كحقيقة نظامية، أي نشاط الجماعة كوجود حضري، أو التعبيرات الذاتية كصورة فردية للحركة الخارجية تنطوي وتندرج تحت الباب الواسع الذي نطلق عليه السياسة الخارجية.
كما عرف ” موديلسكي” السياسة الخارجية في نفس اتجاه حامد ربيع حيث قال :السياسة الخارجية هي :”نظام الأنشطة الذي تطوره المجتمعات لتغير سلوكيات الدول الأخرى ولإقامة طبقا للبيئة الدولية وفي هذا الإطار هناك نمطين من الأنشطة : المدخلات و المخرجات.
ويعرفها كذلك “مارسيل ميرل” بأنها “ ذلك الجزء من النشاط الحكومي الموجه نحو الخارج، أي الذي يعالج بنقيض السياسة الداخلية، مشاكل تطرح ما وراء الحدود.
إن هذه التعريفات طابقت السياسة الخارجية بالأنشطة الخارجية لدولة ما، حيث تهدف هذه الأنشطة إلى تغيير سلوكيات الدول الأخرى أو أقلمت أنشطتها. إلا أن الأنشطة الخارجية للدول لا تهدف في مجملها إلى تغيير سلوكيات الدول الأخرى ،فقد تهدف إلى الحفاظ على الوضع القائم .كما أن السياسة الخارجية لدول ليست موجهة فقط للدول فقط و إنما هي موجهة لجميع فواعل النسق الدولي.
بالإضافة إلى ذلك فالسياسة الخارجية ليست دوما عبارة عن نشاط .فالدول التي تنتهج سياسة الحياد أو الجمود والانغلاق على البيئة الخارجية لا تقوم بنشاط تجاه تلك البيئة، وهذا ما يؤكد أن السياسة الخارجية ليست دائما تعبر عن نشاط تقوم به الدولة.

تعريف إجرائي:
من خلال ما تقدمت به سابقاً في التعريفات المختلفة للسياسة الخارجية، يمكن تقديم تعريفا شاملا لها، على أنها : مجموع نشاطات الدولة الناتجة عن اتصالاتها الرسمية مع مختلف فواعل النظام الدولي ،وفقا لبرنامج محكم التخطيط ومحدد الأهداف ،و التي تهدف إلى تغيير سلوكيات الدول الأخرى أو المحافظة على الوضع الراهن في العلاقات الدولية. كما أنها تتأثر بالبيئتين الداخلية والخارجية.

اهداف السياسة الخارجية العراقية
بعد توصيف السياسة الخارجية عبر طرح المفاهيم والتعاريف والحديث عن صياغات السياسة الخارجية العراقية، لابد من التطرق الى أولويات وأهداف سياسة العراق الخارجية . وفي البدء ينبغي القول ان العراق يسعى عبر سياسته الخارجية الى إعادة بناء وتعزيز العلاقات الثنائية من خلال اعتماد سياسة خارجية شفافة وفعالة مع دول الجوار، وتقوية العلاقات مع الدول العربية وتحسين العلاقات مع الدول الإسلامية وفي هذا الاطار تتولى وزارة الخارجية عملية بناء مرتكزات السياسة الخارجية عبر التنسيق والتعاون مع الدول الاخرى بما فيها دول الجوار والدول الاقليمية عن خلال الاشتراك في المنتديات المتعددة الاطراف التي تشهل الجامعة العربية والمحافل الدولية الاخرة فضلاً عن تشجيع التعاون الإقليمي على أساس الروابط التاريخية والثقافية والعاهل الجغرافي. وفي هذا السياق فان العراقي يسعى أن يكون عاملاً ايجابيا لتحقيق استقرار المنطقة وتكوين روابط الصداقة والسلام التي تحترم المصالح الوطنية ويتفهم مصالح الأمن القومي لدول الجوار والتي يتم التحاور معها لحل القضايا العالقة وتواصل بنشاط عملية تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع المجتمع الدولي على أسس التعاون واحترام المصالح المتبادلة والقانون الدولي.
وبالتأكيد فأن العراق وعبر سياسته الخارجية يسعى الى تحقيق جملة من الاهداف ويقصد بالهدف في السياسة الخارجية ، مجموعة الغايات التي تسعى الدولة إلى تحقيقيا في البيئة الدولية، والهدف في السياسة الخارجية لأية وحدة دولية قد يتغير من حقبة زمنية إلى أخرى من حيث القيمة أو قد يتغير إلى وسيلة.
ويمكن توصيف الاهداف في حقل السياسة الدولية ، بأنها تصور الدولة المستقبلي في الشأن الخارجي، والقواعد المستقبلية التي تنفذها الحكومات من خلال صناعة قراراتها الخارجية للتأثير خارج الحدود ولتغير سلوك الدولة الأخرى، والأهداف ربها تكون جاهدة جداً ، وربها تكون مرنة عند رسم التصورات، وبعض الأهداف تكون بعيدة الهدى والاخرى يهكن ان تكون متغيرة واخرى قصيرة المدى كما هناك اهداف تؤثر عمى كل الدولة كالأهداف التي تتعلق بالجانب الأمني الخارجي وبعض الأهداف تؤثر على مصالح جزء صغير من المجتمع مثل بعض الأهداف التي تتعمق بقضايا اقتصادية وايضاً بعض المسائل السياسية .
وبالنسبة للعراق فقد أثرت سلسة التحولات التي شهدها في أهداف سياسته الخارجية وتوجهاتها، لاسيها وأن هذا التحول تم بفعل عاهل خارجي عن طريق قيام الولايات المتحدة بأسقاط النظام السابق ولكن هذا لا يلغي حقيقة أن العراق كانت له رؤيته في صياغة شكل النظام السياسي بعد التغيير
في2003 وتوجهاته الخارجية اذ تضمن الدستور مواد تؤكد استقلالية سياسة العراق الخارجية.
ويمكن تلخيص اهم اهداف سياسة العراق في مجالها الخارجي عمى النحو الاتي.
ـ الحيلولة دون تعرض الامن الاستراتيجي لتحديات خطيرة من خلال وضع رؤية واضحة لاهداف البيئة الدولية والاقليمية المحيطة وادراك توجهاتها واهدافها في العراق.
ـ موازنة التدخل متعدد الاطراف فانكشاف العراق امام القوى الاقليمية والدولية جعله مفتوحا امام العديد من القوى التي تحاول استثمار هذا الواقع من اجل تحقيق نمط واسع من الاهداف قد يكون سياسياً او اقتصادياً وحتى استخباراتياً.
ـ منع استغلال دول المنطقة للخلافات الداخلية العراقية من اجل التأثير على الملف الامني بما يتحقق مصالحها وساعدها في ذلك طبيعة تكوين المجتمع العراقي التعددي.
ـ اقامة علاقات متوازنة مع الدول الاخرى لاسيما دول الجوار المؤثرة في الشأن العراقي بالاستناد الى عدة مقومات اهمها مكانة العراق الاقليمية ودوره في البيئة المحيطة به وموارده الاقتصادية.
ـ حماية استقرار العراق والحفاظ على وحدة أراضيه.
ـ اعادة العلاقات الثنائية الدبلوماسية مع الدول العالم واشراك المجتمع الدولي في عملية اعادة اعمار العراق وتطويره واعادة أعمار العراق وتطويره.
ـ اعادة نشاط وفعالية البعثات الدبلوماسية العراقية وتعزيز المصالح العراقية في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ـ الانضمام من جديد للهيئات متعددة الاطراف والمشاركة في نشاطاتها.

محددات السياسية العراقية
يعد العراق من الدول التي تمتلك تجربة طويلة في بناء المؤسسات السياسية ولها دور فاعل في محيطها الإقليمي والدولي، الا أن تغيير النظام السياسي بعد عام ۲۰۰۳ أفرز حقائق ومتغيرات اختلفت كثيرا مع ما سبق من فلسفة وأهداف سياسية لنظام الحكم في العراق على المستويين الإقليمي والدولي، وذلك بتأثير التغيير الكبير المسار اتخاذ القرار السياسي ولعب الأدوار الخارجية، والمقصود هنا تغيير فلسفة وعقائد صانع القرار ودور القوى الكبرى ودول الجوار وتأثيرهما على منهج اتخاذ القرار السياسي والسلوك الخارجي للدولة العراقية بحيث يؤدي حتميا إلى تغيير كبير في أهداف وأدوات وأدوار العراق مستقبلا.
ومع التغيير ايضا تغيرت ألية إدارة السلطات الثلاث، وتنوعت فلسفات القيادات السياسية، وتداخلت أدوارها، وهيمنة على إدارة مؤسسات الدولة مفاهیم مختلفة توزعت بين المحاصصة والعرقية على وفق رؤية الأحزاب الفكرية. وبذلك أصبح النظام السياسي في العراق أمام معضلتين داخلية وخارجية تعرقل وتؤثر في صنع السياسة الخارجية العراقية.
ومن خلال وصف المسار التطبيقي للسياسة الخارجية العراقية في اطاره العام، فأن من المسلمات القول أن التغيير في العراق جاء في ظروف دولية استثنائية وضمن منطقة استثنائية وهذا ما افرز حسابات معقدة في المعادلات الاقليمية والدولية بأنماط متعددة سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية، فكان أمام السياسة الخارجية أن تشرع لتحقيق عدة أمور لابد من التطرق اليها وفق تدرجها العملي المرتبط بظروف تلك المرحلة . فقد انتهج العراق الجديد سياسة خارجية تحقق تغييرا.
جذريا للسياسة التي انتهجها النظام السابق الذي وضع العراق بأكثر من مأزق دولي من خلال سياساته المنغلقة والعدائية، وذلك عبر الانفتاح على العالم بهدف ضمان عودة العراق الى وضعه الطبيعي ومكانته المرموقة في المجتمع الدولي، وقد سارت السياسة الخارجية لتحقيق ذلك باتجاهين متزامنين منذ عام ۲۰۰۳ وحتى يومنا هذا، تمثلا في – اولا- استكمال تنفيذ التزامات العراق الدولية الضامنة للخروج من طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وثانيا- توسيع الانفتاح الدبلوماسي العراقي حول العالم تأكيدا لتوجهاته السلمية الجديدة وتحقيقا لمصالحه السياسية والاقتصادية، وفي هذا السياق سعي العراق وما يزال الى حل جميع القضايا العالقة مع دولة الكويت وكذلك حل القضايا العالقة مع دول الجوار اجمالا، مع الحرص على تأسيس علاقات دبلوماسية متوازنة مع المجتمع الدولي شرقا وغربا وبصفة خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن استكملت انسحابها العسكري نهاية ۲۰۱۱ في اطار اتفاق سحب القوات الأمريكية الذي يمثل احد اهم منجزات السياسة الخارجية العراقية مقارنة بتجارب دولية مماثلة في السياق ذاته.
ويمكن ملاحظة انتقال العراق من مرحلة رد الفعل التي رافقت اجواء التغيير في ۲۰۰۳ إلى مرحلة الفعل تمهيدا للعب دور اوسع في رسم المعادلات السياسية في المنطقة عموما، ومن شأن هذه السياسة ضمن مساراتها الحالية وبفضل تطور العملية السياسية والامنية في العراق أن تشكل عاملا رئيسا في تحقيق الازدهار الاقتصادي عبر المساهمة الفاعلة باستقدام الاستثمارات الأجنبية في اطار اعمار العراق بداية والذي بدأت تتضح بوادره في هذه المرحلة التي يمكن ان تؤسس انطلاقة اقتصادية تجعل حضور العراق في الاقتصاد الدولي فعالا واساسيا نظرا لما يمتلكه من موارد وثروة نفطية تؤهله لذلك الدور، وهذا ايضا يمثل جانبا آخر لأنتصار الدبلوماسية العراقية، مع تأكيد الصعوبات المحيطة اقليميا ودوليا.
الا أن تلك المعطيات التي تحدد مسار سياسة العراق الخارجية تتحدد بمعوقات تؤثر سلبا في مسار وتوجهات العراق الخارجية . لكن ذلك لا يمنع أن السياسية الخارجية يمكن أن تشهد انطلاقا قويا نحو تحقيق الأهداف عبر توفر مقومات انجاز الاهداف العراقية او ما يطلق عليها بالممكنات التي لها أثر كبير في مسار سياسة العراق الخارجية ، ولابد من الاشارة الى ان المعوقات تلعب دورا واضحا في تحجيم الدور السياسي للعراق ضمن بيئته الاقليمية ومجاله الدولي ، وعلى النقيض من ذلك فان الممكنات يمكن أن تفتح مجالات رحبة أمام سياسة العراق الخارجية من اجل اداء دور فاعل في بناء الدولة .

المبحث الثاني: علاقات السياسة الخارجية العراقية
تمهيد:
أن تغيير النظام السياسي العراقي في عام 2003 إدى إلى تحلل السياسة الخارجية العراقية من دائرة المركزية والتفرد بالسلطة وتم إعادة هيكلة الدولة العراقية بمؤسساتها السياسية وقيام سلطة تشريعية وحكومة منتخبة وقضاء مستقل وتعددت مراكز القوة المؤثرة في الساحة السياسية متمثلة بالأحزاب السياسية والنخب السياسية والثقافية والدينية المختلفة والمنظمات المدنية والنشطاء السياسيين وحرية الاعلام والفضائيات والتظاهر السلمي لتحقيق مشاركة سياسية سليمة لمجموع الرؤى المجتمعية مما سي وسع قاعدة بيانات الإستراتيجية الجديدة للسياسة الخارجية العراقية التي تتقيد بمعطيات الآوضاع الداخلية للبلاد ومتغيرات النظام السياسي، لاسيّما وأن أي تغيير على هذين العاملين سيؤثر على حرية حركة العراق على الصعيد الخارجي، لهذا وجدت الدولة العراقية نفسها بمواجهة العديد من التحديات سواءً الداخلية او الإقليمية او الدولية .
اولا – العلاقات الداخلية
بعد سقوط نظام صدام حسين كان من الطبيعي أن يكون هناك فراغ واضح في السلطة مما انعكس 2003 الذي وضع على الشارع العراقي، لاسيمّا بعد أن اصدر مجلس الامن قراره المرقم 1483 في 22/5/2003 من حكم الاحتلال طرح مبدأ إقامة حكومة مستقلة العراق تحت الاحتلال الآمريكي وبعد أشهر تقريبا تتمتع بسيادة كاملة والتي مرت بالمراحل الآتية:-
المرحلة المتمثلة بالحاكم العسكري (جي كارنر) من 9/4/2003 الى 1/5/2003 تحت الإدارة المباشرة للجيش الآمريكي واستمرت بحدود شهر واحد وانتهت بفشل كارنر في تشكيل حكومة عراقية مقبولة من الشعب العراقي.
مرحلة سلطة الائتلاف المؤقت 16/5/2003- 28/6/2004 وهه المرحلة تزعمها الحاكم المدني الآمريكي (بول بريمر) وإعلانه سلطة الائتلاف المؤقت CPA بصفتها السلطة التشريعية العليا في البلاد.
تأسيس مجلس الحكم العراقي في 13/7/2003 الذي تولى تشكيل الحكومة العراقية والاشراف على عملها تشريعيا , واعلن عن تشكيل اول حكومة تغير في ظل الاحتلال الامريكي في 13 أيلول 2003 وامتدت مدة الصلاحيات المحددة لمجلس الحكم من 13 تموز 2003 إلى 1 حزيران 2004 في هذه الاثناء غادر ( بول بريمر) في 29 حزيران من العام نفسه كما تم حل مجلس الحكم الانتقالي في9 تموز 2004 عقب إعلان الدولة العراقية المؤقتة التي شكلت مرحلة جديدة من تاريخ العراق المعاصر.
ومع الاخذ بالحسبان أن النظام السياسي العراقي قد خلف عن سابقه العديد من المشاكل على الصعيد الخارجي فكان من الطبيعي أن تواجه السياسة الخارجية العراقية لفترة ما مشكلة وخصوصا الضبابية في توجهاتها وضعف أدائها والتباس رؤية الاخرين لأنه ولها إلا أن هذا لا ينبغي أن يستمر طويلا عامل ضار بسرعة التحول الإيجابي للدولة وبناء استقرارها، لاسيّما أن العراق كان في فترة تحول وبالتالي لتوضيح معالم سياسته الخارجية، فكان هذا الامر طبيعي في الفترة التي سبقت كتابة مناسبا يحتاج وقتا الدستور وإدارة الحاكم المدني الآمريكي (بريمر)، إلا انه بعد أقرار الدستور العراقي عام 2005 حدد المعالم الرئيسة لطبيعة العلاقات العراقية مع الآخرين وضرورة بنائها على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بضرورة إقامة علاقات إيجابية ومتينة مع كل دول العالم، إلا أن هذهِّ الإشارات ليست كافية في رسم سياسة خارجية تستطيع إعانة العراق في ظل الظرف المعقد الذي كان يمر فيها، فمن المفترض أن تكون لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب وبمساعدة وزارة الخارجية العراقية مسؤولة عن رسم إستراتيجية واضحة ومتكاملة للسياسة الخارجية العراقية، إلا ان هذهِّ اللجنة كانت خاضعة إلى الحصص عن انعدام التعاون والتنسيق مع وزارة الخارجية العراقية وتعقد الوضع بحسب مقاعد الكتل، فضلا الداخلي والتباين الشديد بين وجهات نظر الكتل والشخصيات السياسية إلى حد التقاطع العام فيما يتعلق بأتجاهات بوصلة السياسة الخارجية، لذلك أصبحت السياسة الخارجية العراقية كغيرها من السياسات العامة تعاني من التلبد والضبابية بل والتناقض في بعض مجالاتها، ولا توجد إستراتيجية واضحة تحدد مدى حدود العراق ومصالحه وهذا الآمر في الواقع لا يتعدى كونه محاولة في إطار العلاقات الدولية القائمة على أساس التحرك في ظل معطيات الحاضر وردود الآفعال وسياسة الفعل ورد الفعل، عن ذلك أصبحت الآهداف الكبرى للقرار السياسي الخارجي غير واضحة فقد اقتصر على أهداف مرحلية ومكاسب آنية، إذ تعثر العراق في تسوية الكثير من متعلقاته الخارجية مع المؤسسة الدولية والكثير من الدول كما هو الحال مع الكويت وإيران وتركيا بسبب ضعف الإنجازات في المجال الدبلوماسي ودخول العراق في مواقف مضادة لقضايا معينة بسبب انعكاس التضاد الداخلي على السياسة الخارجية العراقية.
ثانياً:- العلاقات الاقليمية
العلاقات الايرانية :-
بداية تقدم (داعش) في العراق أعلنت إيران عن استعدادها للتدخل العسكري في العراق لمواجهته وفي الثالث من أيلول 2014 شنت مقاتلات إيرانية ضربات على تنظيم داعش في شرق العراق وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الامريكية إن الغارات الجوية التي شنها الإيرانيون بواسطة طائرات (فانتوم اف -4) لم تكن بتنسيق مع الولايات المتحدة الامريكية وأن الحكومة العراقية هي التي تنسق الضربات الجوية التي تشنها دول مختلفة ضد داعش وجاء التأكيد على هذا الخبر على لسان مساعد الأركان العامة للقوات المسلحة الايرانية العميد جزائري.
بعد دخول داعش إلى العراق عام 2014 كان أبرز الخيارات وأولها لإيران هو الدعم العسكري غير المباشر للقوات العراقية وقد تحدث عن هذا الخيار العميد مسعود جزائري رئيس هيئة الاركان العامة للقوات المسلحة الايرانية في حديث مع قناة العالم الإيرانية الاخبارية ، بأن بلاده مستعدة لمساعدة العراق في قتال داعش ، باستخدام الاساليب نفسها التي تستخدمها إيران ضد الجماعات المسلحة في سوريا .
إن سرعة مساعدة إيران للعراق في القتال ضد داعش وأنها أول دولة استجابت لمطلب الحكومة العراقية للحصول على دعم اقليمي، قد دفعت الاجراءت تلك كل المسؤولين العراقيين إلى الاعتراف بتأثير الدور الإيراني في الحيلولة من دون تقدم تنظيم داعش وسقوط بغداد واحتلال العراق وأعربوا مراراً تقديرهم البالغ للجمهورية الايرانية، وكان من بين الدعم ارسال المئات من القيادات العسكرية الإيرانية إلى العراق.
العلاقات السعودية :-
أن السعودية تعد العراق ساحة من ساحات التنافس الإقليمي مع إيران، إذ تخشى السعودية من اتساع النفوذ الإيراني داخل العراق وامتداده إلى داخل أراضيها، وخاصة في المنطقة الشرقية من السعودية، لذا يبدو وقف انتشار النفوذ الإيراني وإمكانية تصدير قيم النظام الثوري الإيراني إلى الداخل العراقي هو أحد الاهتمامات الرئيسة للسعودية في الملف العراقي، فقد ارتبطت السياسة الخارجية السعودية بسلوك تجاه العراق بالمصلحة التي حركت صانع القرار السياسي الخارجي باتجاه تحقيق بعض التعاون مع العراق، وعلى أساس تصرف السعودية هذا تجاه العراق وفي ضوء الآوضاع التي مر بها العراق كان لابد من أن يقدم صانع القرار السياسي الخارجي على استعمال آليات جديدة تتناسب مع التغيير الذي طرأ على الساحة السياسية العراقية، لأجل التعامل مع دول الخليج العربي وبالأخص جارته السعودية لأنها تعد المتنفس الذي يمكن الاستفادة منه في نواحي عدة( أمنيا، اقتصاديا, سياسيا)، فأهداف السياسة العراقية تجاه السعودية بدت واضحة فقد استندت على أسس جديدة ومتغيرات مهمة أهمها الايدولوجية الراغبة وأهم آليات التي استندت عليها الحكومات العراقية في لعب دور إقليمي والإمكانات المؤهلة لذلك التي توالت على السلطة بعد عام 2003.
العلاقات الكويتية :-
أن السياسة الخارجية العراقية تجاه الكويت لم تتأثر بعد العام 2003 تأثيراً كبيرا عما قبل الاحتلال ، فبعد القطيعة الطويلة بين البلدين والمشاكل العالقة فيما بينهم فيما يخص ملف التعويضات التي يقدمها العراق للكويت منذ الغزو العراقي للكويت عام 1990 عن مشاكل ترسيم الحدود ، فضلا التي ما زالت ملفات معلقة بين البلدين تثير الشكوك حول إمكانية تحسين السياسة الخارجية العراقية تجاه الكويت، سرعان ما تغيرت الرؤية الكويتية للعراق بعد سقوط النظام السابق كونها اعتبرت وجود نظام صدام حسين تهديد مباش لها، لذا فإن غياب هذا النظام يعد مكسبا استراتيجيا لها اعترفت دول الخليج وفي مقدمتها الكويت بمجلس الحكم الانتقالي الذي تشكل في العراق واعتبرته بمثابة السلطة السياسية والممثل الشرعي للقوى السياسية العراقية.
إلا أن البيئة العراقية خلال فترة الاحتلال الآمريكي من عام 2003 إلى عام 2011 اتسمت بعدم الاستقرار على الآصعدة الآمنية والسياسية والاقتصادية كان من أن تجعل العراق أحد أهم مصادر التهديد لأمن واستقرار دولة الكويت، فضلا عن المواقف والتصريحات لبعض المس ؤولين العراقيين التي تطالب بإيجاد منفذ بحري للعراق على الخليج العربي مثل مطالبة نائب رئيس المؤتمر الوطني العراقي)مضر شوكت( في عام 2004, بأستئجار جزيرتي وربة وبوبيان الكويتيتين الذي عدته الحكومة الكويتية بمثابة تهديد وتكرار لسياسات النظام السابق.
العلاقات الاردنية :-
أن استقرار الوضع الآمني والسياسي في العراق يهم الآردن كثيرا فبعد العام 2003 كان لا بد للأردن أن يدعم العراق لاسيمّا وأن مصلحة الآردن الوطنية والقومية تكمن في توحيد صفوف العراقيين ضد قوى التدخل الإقليمي في شؤون العراق وليس في زيادة عقدة الآزمة الطائفية العراقية ، وقد كان سبق للأردن نصح الإدارة الأميركية بعدم احتلال العراق عام 2003 في عراق بارزا الانه كان للأردن دورا في تعزيز الآمن والاستقرار في العراق ، وساهم بصورة فعّالة في ما بعد الاحتلال، إذ لم يدّخر الآردن جهدا تدريب الشرطة والجيش العراقيين، يشارك بفعالية وقوة بالجهود الآمنية في كما أن “الحرب على الإرهاب”، ومتابعة تنظيم القاعدة في العراق وغيرها.
العلاقات السورية :-
تكتسب العلاقات العراقية – السورية أهمية كبيرة لثقل البلدين الإستراتيجي، وتأثيرهما على مجريات الأحداث العربية والإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، ولكن المتتبع لهذه العلاقة يرى أن الغالب عليها الصراع وعدم الانسجام بين حكومات البلدين، إلا أن مجريات الأحداث الدولية ومتغيرات التوازن الأولي في الآونة الأخيرة فرضت على سوريا اتباع إستراتيجية جديدة لإخراجها من عزلتها الإقليمية مع سعيها الحثيث لاستغلال علاقاتها مع العراق في السير بهذا الاتجاه ولدى الدولة السورية العديد من الآليات والوسائل اللازمة لحماية مصالحها في العراق وهذه الآليات والوسائل يمكن أن تؤثر أيضا على مستقبل العملية السياسية فيه بعد الانسحاب الأمريكي إذإ نهج السياسة السورية كان بشكل عام يشكل حاضنة لرموز المعارضة العراقية للحكومات العراقية، وهذه الميزة تميزت بها عن غيرها من دول الجوار العربية والإسلامية ما يعني أنه كان لها تأثير بشكل أو بآخر في الحكومات.
ان الموقف الذي تبنته الحكومة العراقية في بداية الامر حيال الاحداث في سوريا كان داعما للنظام السوري بشكل غير مباشر وقد يرجع ذلك الى خشيتها من ان تؤثر الأزمة السورية في حال تطورها تأثيرا مباشرا في تطورات الوضع السياسي الداخلي في العراق ويرى مراقبون ان الموقف العراقي ارتبط الى حد ما بالصراع السياسي بين ايران ودول عربية على رأسها المملكة العربية السعودية وإن إيران المؤيدة للنظام السوري بحكم المصالح المشتركة معه لها نفوذ وتأثير سياسي في العراق لذا فأن اتخاذ الحكومة العراقية مواقف مغايرة تجاه سوريا قد ينعكس سلبا على كثير من الملفات المشتركة بين العراق وإيران. مواقف سوريا من العراق منطلقاً من المحافظة على استقلال وسيادة سوريا ورفض كل انواع التدخلات الخارجية في شؤونها على العكس من الموقف السوري تجاه التغييرات السياسية الحاصلة في العراق بعد 9 نيسان عام 2003م اذ يتضح لنا بأن هناك موقفين للحكومة السورية تجاه العراق ما بعد عام 2003م وهما:
الموقف الأول . هو موقف دبلوماسي تدعوا فيه الحكومة السورية الى وحدة وامن العراق وتعمل بموجبه على استقبال الوفود الامنية والسياسية العراقية لأغراض التحاور والتنسيق وتجري على اساسه تحركات عسكرية لضبط الحدود وتعمل على اقامة سدود ترابية في بعض المواقع لمنع التسلل والتهريب.
الموقف الثاني . هو موقف مخابراتي تقدم فيه اجهزتها الاستخبارية والامنية ، تسهيلات اقامة وتنقل لمجموعتي البعث المنحل بقيادة عزة الدوري ويونس الأحمد وتستقبل العديد من السياسيين العراقيين المتهمين بدعم ما يسمى بالمقاومة داخل العراق ، وترعى عقد مؤتمرات لبعض فصائل الحركات المسلحة ، كان آخرها المؤتمر الذي عقد في اواخر شهر نيسان عام 2010م .
العلاقات التركية :-
تحكم العلاقات العراقية- التركية جملة محددات البعض منها دافعة نحو توثيق العلاقات، واغلب هذهِّ الدوافع تنطلق من الحتمية التاريخية التي تفض ي نحو تعزيز العلاقات الثنائية بحكم الجوار الجغرافي والحاجة الطبيعية والجيوبوليتيكية لكلا البلدين للآخر، فتركيا تمثل بوابة العراق نحو أن النفط يشكل حوالي أوربا والولايات المتحدة الآمريكية, علما 90 %من الدخل القومي للعراق، وبالتالي هذا يعد محدد مهم في تخطيط السياسة الخارجية العراقية إزاء تركيا، وأن تلك المسلمات في القرار السياسي الخارجي العراقي، لاسيمّا الجغرافية أثرت كثيرا بعد العام 2003 الذي خضع لتأثير مرحلتين الآولى منذ العام 2003 ولحين انسحاب القوات الآمريكية القوات الآمريكية في العام 2011 وهنا كان أساس الوقف التركي نحو العراق يتمثل في بناء جسور التعاون بين تركيا والعراق، فقد عملت تركيا على تعزيز علاقاتها مع القادة العرب عبر محاولتها في العراق وتدخلها سياسيا لدعم العملية السياسية في العراق باستضافتها القادة السنة في العام 2005 لتشجعيهم على الانخرط بالعملية السياسية، ورعت اجتماعات ” بلدان الجوار” التي شملت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الآمن الدولي ومجموعة الدول الثمان الآمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية والمفوضية الإوربية لمساعدة بغداد في إعادة بناء علاقاتها الإقليمية والدولية.
لذا فمن البديهي أن يطول تأثير سياسة تركيا تجاه العراق بصورة خاصة والتي انعكست بشكل كبير على السياسة الخارجية العراقية بسبب امتلاكها وسائل عدة للتأثير ولعل إبرزها الاتي:
قدرة تركيا على منع بعض التطورات التي قد تؤدي إلى تهديد وحدة العراق من الحدوث، إذ فرضت تركيا نفسها في الساحة العراقية بصورة كبيرة بعد الانسحاب الآمريكي من العراق.
قد شهد الدور التركي في العراق تحو لات كبيرة طالما أن الولايات المتحدة الآمريكية لا تريد أن تترك هذهِّ المنطقة الإستراتيجية لإيران، ولغياب أمكانية قيام حكومة عراقية قوية موالية للأمريكان تستطيع أن ترعى مصالهم في المنطقة، فليس أمامهم غير تركيا حليف قوي ومضمون فجعلتها تؤدي دورا لعراق كقوة مكافئة لمواجهة إيران.
فتح التطور الجاري في العراق الطريق أمام تعاون عربي – تركي لمواجهة النفوذ الإيراني في العراق، لاسيّما في ظل التركيبة الصراعية الحراك السياسي التي يعاني منها العراق، وبسبب عدم قدرة أي من الطرفين العربي، أو التركي على حسم المواجهة مع إيران بمفرده.
ثالثاً- العلاقات الدولية
تتمتع المتغيرات الخارجية بدور مهم وخطير في توجيه وتقييد القرار السياسي العراقي وأبرز هذهِّ المتغيرات كالأتي:-
العلاقات الامريكية :-
منذ انتهاء الحرب الباردة وتربع الولايات المتحدة الآمريكية رسميا على قمة الهرم الدولي استهلت دخولها القرن الحادي والعشرين وهي حاملة لتلك الصفة كقوة مهيمنة وكان موقع العراق الجيواستراتيجي وثروته النفطية يمثل بؤرة التفكير الإستراتيجي الآمريكي، إذ يقع العراق في النصف الشمالي من الكرة الآرضية وبالتحديد في الطرف الجنوبي من قارة أسيا ضمن منطقة تؤلف جزيرة العرب التي تعد حلقة الوصل بين القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوربا، كما أن أطلالته على الخليج العربي أعطته أهمية ووزن جيوبوليتكي للعراق بسبب وقوعه في قلب منطقة الشرق الآوسط , فضلا عما يشكله العراق من قدرات نفطية كبيرة فهو يمثل القوة الرئيسة على الجبهة الشرقية مع إسرائيل بل يعد الدولة العربية الوحيدة التي تتكامل فيها عناصر النهوض وبناء القوة، مما جعل الولايات المتحدة تدفع باتجاه توسيع منطقة الشرق الآوسط لتنفذ ما يسمى بمشروع الشرق الآوسط الكبير، لهذا جاء احتلال العراق في 9 نيسان من العام 2003 بذريعة وجود أسلحة دمار شامل، فقد شنت الولايات المتحدة حربا “وقائية” ضد العراق بعد فشلها في الحصول على موافقة الآمم المتحدة، أو تفويض من مجلس الآمن، منتهكة بذلك الشرعية الدولية والمبادئ التي يتم التصرف على أساسها في العلاقات الدولية، إذ كان العراق من أولويات الاستراتيجية الآمريكية من خطة لشن حرب عليه متعددة الآهداف ولعل أهمها خدمة إسرائيل وجزاء للتفرد الآمريكي في السيطرة على كونها تشكل سلاحا وسياسيا السيطرة على العالم العربي عقائديا العالم.
ويشكل التواجد الآمريكي في العراق قضية خلافية كبرى في مسار العملية السياسية بسبب التخبط وانعدام الروؤية الإستراتيجية للسياسة الآمريكية في العراق فمنذ سقوط النظام العراقي السابق حتى هذهِّ اللحظة التاريخية فإن المراحل الآساسية التي انتهجتها السياسة الامريكية في العراق إدت إلى:
إفضت إدارة الاحتلال الآمريكي إلى تخريب الدولة العراقية بجميع مؤسساتها، الامر الذي إدى إلى فراغ سياسي وشيوع حالة الفوضى.
بناء مجلس الحكم بروح طائفية وما نتج عن ذلك من تخريب التشكيلة السياسية الضامنة لمصالح وحدة العراق الوطنية.
اجراء انتخابات وطنية عامة ذات ديمقراطية شكلية لغرض الدعاية السياسية.
الشروع بكتابة الدستور والتصويت عليه بالرغم من غياب النظام السياسي الضامن لتطبيق توجهاته الرئيسة.
العلاقات الصينية:
لقد سعت الصين إلى عد العراق محطة انطلاق لها في العالم العربي ، وفي القارة الآسيوية والذي يمكن أن يخدم أهدافها الاستراتيجية في قارة أفريقيا أيضاً ويعبر عن هيبتها بوصفها قوة آسيوية كبيرة ([26]) ، ولما كانت السياسة الخارجية هي تعبير عن موقف الدولة واتجاهها ، ومستوى انغماسها في المشكلات الدولية التي تعنيها ، ومن ثم يؤثر على ما تتبناه لنفسها من مصالح وأهداف ، فمن الملاحظ أن الموقف الصيني تغير ايجابياً بشكل كبير تجاه المنطقة العربية ولاسيما تجاه العراق .
تتصف السياسة الخارجية الصينية سواء تجاه العراق أو المنطقة العربية بملامح مهمة في إطار المبادئ التي تعلنها الصين في سياستها الخارجية ، وهي :
تحديد موقفها وسياستها في جميع الشؤون الدولية انطلاقاً من المصالح الأساسية للشعب الصيني وشعوب العالم فهدفها الخارجي هو مقاومة الهيمنة وصيانة السلم العالمي فلا تتحالف مع أية دولة عظمى أو كتلة دولية تبحث عن الهيمنة وتسعى لتطوير الصداقة والتعاون بين مختلف دول العالم .
تجتهد لإقامة نظام دولي اقتصادي وسياسي جديد عادل ومعقول .
تحرص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة ، مؤكدةٌ أن دول العالم الثالث هي نقطة ارتكاز في سياستها الخارجية فتعتمد على تقوية صلاتها بها .
تقيم علاقاتها على أساس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي (الاحترام المتبادل للسيادة – سلامة الأراضي – عدم الاعتداء على الغير – عدم التدخل في الشؤون الداخلية – المساواة والتعايش السلمي .
تؤيد نضال دول العالم الثالث في حصولها على الاستقلال الوطني وحمايته وتطوير اقتصادها الوطني .
العلاقات الروسية:
ان روسيا كدولة عظمى أثار اهتمامها بالشرق الاوسط عدد كبير من الباحثين والمراقبين الذين تيقنوا ان المصالح العظمى لروسيا هي من تحدد هذا التدخل خاصة بعد ان استعملت جميع وسائلها الدبلوماسية والاقتصادية وحتى العسكرية في سبيل المحافظة على تلك المصالح ، وفي منطقة الخليج العربي تحديداً، والتي يحتل العراق فيها اهمية كبيرة بالنسبة لروسيا بسبب اهميته الاقتصادية كونه سوقاً مهماً للصادرات الروسية ولاسيما الاسلحة الروسية.
حيث ان المصالح الروسية لم يقتصر وجودها في دول الخليج , بل انتقلت بعد عام 2003 بالتحديد الى العراق , والذي ارتبط مع روسيا الاتحادية بعلاقات استراتيجية , ومن قبلها الاتحاد السوفيتي السابق , حيث تعود تلك العلاقات الى عام 1944، الامر الذي جعل روسيا ترى ان أي هجوم عسكري على العراق يمكن ان يؤدي الى تهديد مصالحها في العراق والمنطقة، وفي مقدمتها العقود التجارية والنفطية للشركات الروسية في العراق. وقد تميز الموقف الروسي من الحرب الاميركية على العراق في عام 2003، بالموقف الرافض للعمليات العسكرية ضد العراق، وقد جاء هذا الموقف منسجماً مع الموقف الفرنسي والموقف الالماني، بل ذهب أكثر من مسؤول روسي الى حد التلويح باستعمال حق النقض في مجلس الامن الدولي، إذا لزم الامر لمنع تمرير أي قرار يمنح الحرب شرعية دولية. 'المبحث الثالث : مستقبل السياسة الخارجية العراقية
اولاً- مرتكزات السياسة الخارجية والاقليمية العراقية الجديدة
ليس من السهل تحديد مفهوم سياسة الدولة الخارجية من فاعلية وتأثير في الساحة الدولية وذلك لوجود اختلاف في الرؤى والتصورات في تحديد تعريف هذا المفهوم ، فيمكن ان تعرف على انها ” الافعال الهادفة والمؤثرة للدولة والموجهة نحو الخارج”. وهناك من يعرفها على انها ” برنامج العمل العلني الذي يختاره الممثلون الرسميون للوحدة الدولية من بين مجموعة من البدائل المتاحة من اجل تحقيق أهداف محدده في المحيط الدولي “، وهي بصورة عامة تشير الى ” نشاط خارجي للدولة مع الفاعلين الدوليين في النظام الدولي ” ، إذ تتحرك الدولة في سياستها الخارجية سواء على المستوى الدولي او الاقليمي نحو تحقيق أهدافها الاستراتيجية مع الدول الاخرى على وفق مصالحها القومية او الوطنية.
وفي ظل البيئة الأقليمية للعراق التي تشهد صراعات عديدة ، البعض منه ما هو داخلي ، وقسم آخر إقليمي ، وثالث بتأثير دولي . فهناك صراع دائم قاد نحو توتر واضطراب امني واختلال في الادوار الاقليمية والتوسع الجغرافي ، مما ادى الى بروز ادوار جديدة وتدخل بالشؤون الداخلية, فلا بد ان تتوفر جملة من الثوابت التي ينبغي ان تستند اليها السياسة الاقليمية العراقية عند وضع وصياغة اهدافها واتجاهاتها في المرحلة المقبلة ، هذه المرتكزات او الثوابت سوف تحدد ضوابط وآليات التعامل الخارجي في مستواه الاقليمي على وجه التحديد ، فعملية الحراك العراقي في مجاله السياسي ستحدد بلا شك طبيعة وسلوك التجاوب الموازي مما سيترتب عليه ايجاد اطر معتمدة لعملية التوازن المقبل في لعبة التحالفات الأقليمية في الشرق الأوسط .
وانطلاقاً من هذا الأساس تتجه السياسة الاقليمية العراقية إلى لعب دور إقليمي فعال ، ضمن رؤية اوسع لتشكيل صيغة مختلفة للتفاعلات الاقليمية ، والتي تستند بالنسبة للعراق على مبدأ الحراك الفاعل دون الوقوع في تخندقات المحاور بأشكالها التي ستنعكس بشكل أو بآخر على المكانة الإقليمية المرتقبة للعراق . وهذا يعني تبني انموذج سياسة عدم الانحياز وعدم وقوع الدولة العراقية في مجال الحيوي لإحدى الاستراتيجيات الاقليمية المندفعة ، مما يؤدي الى انتاج ازمات جديدة
وبما ان الحياد غير قابل للتطبيق سياسيا في المرحلة المعاصرة كخيار سياسي في المجال الاقليمي مع استمرار الضعف النوعي الذي يعيشه العراق ، واختراق المجال الحيوي من قبل الاستراتيجيات الإقليمية ، وثقل الصراع الدولي على منطقة الشرق الاوسط . هذا ما يدفع نحو تبني انموذج التوازن الفعّال وهو أنموذج الدولة العراقية المتوازنة داخلياً والمؤدية دور التوازن الإقليمي بما يؤهل العراق ليكون قوة استراتيجية حقيقية متوازنة ، وموازنة للاستراتيجيات الإقليمية . فيحول دون تصادمها الوجودي ويخلق استقراراً استرتيجياً شرق أوسطياً . وهذا يعني دولة عراقية قوية سياساً واقتصادياً وعسكرياً قادرة على حفظ التوازن الإيجابي بين استراتيجيات المنطقة . وهو الأنموذج الأفضل للعراق والمنطقة ، فبقاء العراق ضعيفاً سيقود الى تصادم حقيقي بين الاستراتيجيات الكبرى ، وتشتته سيؤدي إلى إعادة رسم للخارطة السياسية الإقليمية لأغلب دول المنطقة.
ومن هذا المفهوم نلمس ملامح تبلور الرؤية العراقية المتوازنة على المستوى السياسي الخارجي عند ترابطه مع الأداء التوازني المنتظر بمبدأ الاستقلالية في المواقف ، فمقاربة أداء التوازن الإقليمي
للعراق في المنطقة في ظل تفاعل مرتكزات الصراع بين محاور القوى الفاعلة ، سيفرض على العراق الدخول بقوة في هذه التفاعلات لكن عبر الية وسلوك مختلف عن السابق ، اي بعبارة اخرى ان العراق يسعى لتعزيز فرص الارتقاء بالفعل السياسي والانتقال من مجرد طرف اقليمي هامشي نحو فاعلية محورية تسهم في ضبط ايقاع التحالفات الاقليمية انطلاقاً من ادراك حقيقي لاهمية تبلور سياسة متزنة توظف ماهو متحقق من مكاسب على المستوى الاقليمي بهيكليته الجديدة وعناصر القوة الجيواستراتيجية ، وبهذا يكون العراق قد حقق استجابة بنيوية في الوصول الى تطلعات السياسة الخارجية .
إن الادراك الذي تحدثنا عنه يتحدد بعوامل تسهم في حصول العراق على مكانة ودور اقليمي استراتيجي يمكن ان تشخص على وفق المرتكزات الجديدة في اتجاه السياسة العراقية نحو الانغماس بشكل تفاعلي في قضايا المنطقة والابتعاد عن المواقف غير المحسوبة تجاه تطورات البيئة الاقليمية وتحقيق قدر مقبول من القدرة على العودة الى الدور المفقود ، والعمل على تحييد الخلافات وتضييق فجوة الاختلال البنيوي في التوازنات ، بالاضافة الى الانتقال الى تفاعلات اخرى تتجاوز البيئة الاقليمية الضيقة لتوسيع مساحة الاداء .
ومن المرتكزات الجديدة في اتجاهات السياسة العراقية الإقليمية هو استثمار الاوضاع الحالية وبما ستؤول اليه التفاهمات بين القوى التي بدأت وكأنها المتحكمة برسم خريطة جديدة للمنطقة . واذا ما احسن العراق التعامل مع معطيات الواقع الجديد ، من خلال احتساب المنافع والمكاسب التي سيجنيها في ظل التوجه الدولي نحوه فان البراغماتية ستتجلى في اداءه السياسي من أجل تحقيق التأثير القوي في محيطه الاقليمي ، وهذا ما يتوجب على صانعي السياسة الخارجية العراقية تجاه الاقليم ان يتنبهوا اليه في التعامل مع افرازات الواقع الجديد في المنطقة، وان يمون هذا النهج هو السائد في المستقبل من حيث ان اوضاع العراق والمنطقة مترابطة وتؤثر احدهما في الاخرى .
ثانياً- الاتجاه المستقبلي للعلاقات الخارجية العراقية
لم تتوصل الدولة الاقليمية الى بلورة موقف شبه موحد تجاه التحولات التي شهدها العراق ، وظهر التباين في المواقف الاقليمية عبر مسارات متعددة لعل الابرز منها ظهور تحفظ عربي بشكل عام من التطورات التي طرات على الساحة العراقية اولا ، وثانيا، وجود محدودية في المواقف العربية المنفردة المعلنة تجاه التطورات العراقية اما السياسات والمواقف الجماعية ، فظهرت من خلال الجامعة العربية وثالثا ، اذى الاضطراب في الرؤية السياسية الاقليمية الى بروز سياسات اقليمية مرتبكة من قبل الدول غير العربية تجاه الوضع الجديد وانعكاساته المحتملة . وعلى هذا الاساس يمكن القول أن العلاقات العراقية – الاقليمية مرت بعد التغيير في العراق بمرحلتين مهمتين :
المرحلة الاولى التي يمكن ان توصف بالترقب الحذر ، حيث طرحت اوضاع العراق الهشة مغريات كبيرة للدول الاخرى، مثل اغراء التدخل وملء الفراغ ، وإغراء الترقب والانتظار ، وإغراء المشاركة والتفاعل وقد فضلت جميع الدول العربية مثلا الترقيب والانتظار في ظل هيمنة الولايات المتحدة على الوضع العراقي. في حين تبنت دول اخرى استراتيجية الاقتراب والحذر من المشهد العراقي.
المرحلة الثانية التي يمكن ان تعرف بمرحلة اغتنام الفرص ، حيث مثلت التحولات السياسية والامنية في العراق فرصة سانحة لاعادة ترتيب العلاقات العراقية – الاقليمية ، بطريقة تخدم اندماج العراق ونظامه السياسي المتشكل الجديد بالبيئة الاقليمية لكنها ايضاً تتطوى على تكيف من قبل هذه البيئة مع التحول الذي لا يمكن الرجوع عنه ، ليس في طبيعة الوضع العراقي ، بل ايضاً في طبيعة العلاقات الاقليمية البينية وفي المقابل ما يلوح من فرص بهذا الاتجاه ، تلوح الاحتمالات معاكسة تقوم على فكرة التعايش السلبي مع عراق ما بعد ٢٠٠٣ ، بكل ما تحتويه من إقصاء لواحد من أهم بلدان المنطقة ، وخلق وضع تصبح معه العلاقات العراقية – الاقليمية والعربية على وجه الخصوص مجرد صيغة للتفاعل التكتيكي الخالي من اي ابعاد استراتيجية أو أفق لشراكة ممتدة ، وفيمت يخص المواقف العربية تحديدا فنتيجة لما سبق يمكن القول ان دور العربي اقتصر على صيغة المبادرات الفردية التي تقوم بها الدول العربية ، طبقا لمصالحها ولأوضاع العراق الأمنية والسياسية.
ولا بد من التاكيد هنا على ان هذه المعطيات لاتعني غياب حراك سياسي عراقي – عربي نحو التقارب واعادة صياغة اطر العلاقات المشتركة ، فقد شهدت العلاقات العراقية – العربية في الاونة الاخيرة تطوراً مهماً على كافة الجوانب والمجالات السياسية والاقتصادية والثقافية ، ومثل هذا التطور إستماراً لتصاعد المنحى الإيجابي في قبول العرب لأداء الحكومة العراقية ، وإعطاء الأخيرة قدراً من الاهتمام للعلاقة مع المحيط العربي ، يضاف إلى ذلك تدخل الولايات المتحدة في أكثر من مناسبة لتطوير تلك العلاقة ، بوصفها واحدة من العوامل التي تعزز من أستقرار العراق ، ونتج هذا عن تنبه وادارك مراكز القرار العراقي إلى الاهتمام بالملف العراقي ، وأن اعادة تأهيل البيئة السياسية العراقية ، لاتعتمد على سياسات أمنية داخلية مهما كان حزمها ، إنما تعتمد تصالحات سياسية في أطار الداخل ، وألتزامات إقليمية يمثل الجانب العربي الجزء المغيب فيها. اما بلنسبة للدول الغير عربية ، فأن العلاقات شهدت مراحل متعددة من الشد والجذب وبخاصة تركيا نتيجة لاختلاف الرؤى الاستراتيجية والهواجس التركية من الوضع العراقي ، اما ايران فعلى خلاف ذلك كانت الاكثر عمقاً وانفتاحاً على العراق وعملت على تنويع مجلات علاقتها معه وتوطيدها بالشكل الذي يجعل من العراق احد اهم الوجهات الاستراتيجية الايرانية .
و من خلال رؤية تحليلة مبسطة للمعطيات الوارة وما تعنيه على الصعيد المستقبلي ، يلاحظ تغير في لهجة الخطاب السياسي المتبادل بين العراق والدول الاقليمية ، فالخطاب السياسي العراقي بدا متوازناً اكثر حيال القضايا الاقليمية، وهذا يدل على سعي العراق إلى تجديد إلتزامه بالعلاقة مع محيطه الاقليمي . كذلك بتطمين جيرانه الاخرين ، بالمقابل تغيرت لهجة الخطاب العربي ايضاً نحو المزيد من التقبل للعراق بطروحاته وسعيه الجديد نحو التعاطي عربياً ، الى جانب دعم ايراني كبير وركون تركي نحو ترميم العلاقات واعادتها الى طبيعتها والتعويل اكثر على الحكومة العراقية في تغليب الحوار وحل الخلافات وهذا ما يؤشر أنّ اليات التوجه العراقي نحو الدول الاقليمية قد اكتسب مقدارا جيدا من التقبل والتفهم الاقليمي ، مما يعني امكانية التحول بالعلاقات من صيغ الاحتواء واللجوء الى العزل والتعامل السلبي لدرء المخاطر التي تولدها البيئة العراقية ، الى اطر جديدة من التعامل على وفق اسس ومرتكزات المصلحة والتعاون . وما سيمون له اثر في التحلارك المستقبلي العراقي، من هذا الاستعراض الموجز يتضح أن الوضع في العراق ادى ايجاد حالة من الضعف الأستراتيجي في هيكل النظام العربي لحساب النظم الفرعية الأخرى في المنطقة ودعم الموقف الاستراتيجي لدول الجوار العراقي غير العربية على حساب دول جوار العربية واذا ما قدمنا تحليلا مختصرا لما تم طرحه فلا بد من الاشارة الى ان المتغيرات الاستراتيجية التي شهدتها المنطقة في السنوات الاخيرة والتي اوجدت مجالا جيوسياسياً معقداً ومتشابكاً ، تضيق في أطاره اهتمامات الأنظمة السياسة ألى حدود جغرافيتها الطبيعية، في محاولة للحفاظ على مكونات وحدتها . ولكن بنفس الوقت ، حتمت متطلبات الأمن والدور المكانة على تلك الأنظمة التمدد إلى الفضاء الإقليمي انطلاقا من اعتبارات تاريخية وأيديولوجية تصب في صلب العقيدة الأمنية والسياسة لهذه النظم السياسية، الأمر الذي تولد عنه نوع من التنافس هو في حقيقته درجة من درجات الصراع، أو نمط من أنماطه . ذو طبيعة خاصة ومميزة.
زخم البعد الدولي في الحالة العراقية، فإن الصراعات الاقليمية التي أدارها العراق مع أكثر من طرف في وقت واحد ، قد ساهمت بدجة كبيرة في الحال الذي وصل إليه، فالطموحات الاقليمية والرغبة في تغيير الواقع والمعادلة الجيوسياسية للاقليم، كان لها الدور الكبير في التوافق (الضمني) (إقليماً ودولياً) على ضرورة صياغة تصور جديدة لبلورة وضع العراق من الناحية السياسية، بالشكل الذي يكون طرفاً فاعلا في الاستقرار الاقليمي القادم .
واذا ماطر حنا اطارا عاما لتطوير العلاقات العراقية – الاقليمية في بعدها المستقبلي ، يمكن القول ان هناك خطوط عريضة وخطة ترمي الى بناء علاقات رصينة اساسها المصالح، وبالنسبة للعراق ، فان صياغة الحوار المؤسسي وصولا لأنهاء الخلافات وتحقيق الامن والتعاون الاقليمي واحتواء العراق كطرف مهم وحيوي في المنطقة بات يظهر جليا ، ولابد ان تدرك الدول الاقليمية والعربية تحديدا ان لها دور ومسؤولية في استقرار العراق وامنه بحكم الجوار الجغرافي والصلات التاريخية والحضارية والاجتماعية وادراك ان ضعف العراق بمثابة تهديد لدول المنطقة.
ومن هنا يسعى العراق في المرحلة الراهنة وامتدادتها المستقبلية المنظورة الى طمأنة مخاوف المحيط الاقليمي من استمرار حالة العنف والاضطراب الامني والسياسي ودعوة دول الاقليم الى دعم اقامة حكومة عراقية منفتحة اقليما وتصفير المشاكل والاندماج في تفاعلات المنطقة عبر الية التوازن وعدم الانحياز ولغرض ايجاد علاقات متطورة في اطار اتجاهات مستقبلية في سياسة العراق الاقليمية ، ينبغي على العراق ان يعمل على اعادة بناء الثقة مع دول الجوار والدول الاقليمية الاخرى، من خلال تواصل عقد لقاءات مشتركة على كافة المستويات والصعد سياسيا واقتصادياً وامنياً ، كما من المسلمات ان يسعى العراق في المرحلة المقبلة الى حلحلة المشكلات القائمة مع جيرانه من خلال المبادرة بتطوير العلاقات ووضع حد للخلافات عبر رؤية جديدة وقراءة متمعنة لمتطلبات المرحلة الجديدة. لذا ستكون اتجاهات السياسة العراقية في بعدها الاقليمي مبنية على تعميق وتعزيز الاتصالات مع عمقه العربي في مجالات التعاون الامني والاستخباري، ولاسيما مع الدول العربية المجاورة من خلال عقد اتفاقيات امنية مشتركة مما يضمن نحقيق الاستقرار الامني للعراق والبلدان المجاورة في تصديها للارهاب.

الخاتمة :
من خلال تلك المؤشرات يمكن القول ان العلاقات العراقية – الاقليمية مقبلة على مرحلة مهمة تؤثر فيها التفاهمات الامنية والسياسية بدرجة كبيرة في ظل وجود مخاطر مشتركة متمثلة بتحديات الارهاب وسبل مواجهته ، في الوقت ذاته فان العلاقات بين الجانبيين يمكن ان تشهد مزيدا من التنسيق الذي سيفضي بلا شك الى تطوير العمل المشترك والروابط على مختلف المستويات لان العراق يشهد حراكا سياسيا داخليا وخارجيا من اجل تحقيق الاستقرار الداخلي الذي سينعكس على بيئته الاقليمية . كما ان تحقيق التوافقات السياسية الداخلية سيكون مؤثرا فيما يخص الموقف العراقي الخارجي من القضايا الاقليمية الراهنة وتطوراتها وهذا ما سيحقق انسجاما عراقيا واقليميا حول العديد من الملفات في المنطقة