فوضى الحرب في أوكرانيا إستعادة للنموذج الأفغاني

'((( في محاولة لدراسة تجربة الإستعانة بالمقاتلين الأجانب وتسليح المدنيين في الحروب ، نشر كل من الباحث في الأمن الدولي والأرهاب جاسم محمد والدكتورة إكرام زيادة الباحثة في المركز الأوربي لدراسات مكافحة الأرهاب - المانيا، بحثا عن حرب اوكرانيا مقارنة بالنموذج الأفغاني وسيناريو الفوضى المحتمل. تحت عنوان ...
" المقاتلون الأجانب وتسليح المدنيين في أوكرانيا، النموذج الأفغاني وسيناريو الفوضى "
ولأن البحث من الأهمية بمكان مايستدعي تناوله على اوسع نطاق كونه يعيد التذكير بتشظي الحروب وأطالة أمدها فضلا على إنعكاساتها المحتملة على دول الجوار فضلا على داخل مجتمعات المقاتلين القادمين من خلف الحدود الى جانب عسكرة الشعوب وتحول ثقافة السلم الى صدام مغلف بالعنف المبيت لينفجر بين حين وآخر حتى بعد أن تضع الحرب  أوزارها.. فالخطورة هنا تكمن بتحويل المدنيين الى مقاتلين إيذانا بمغادرتهم خطاب التعايش السلمي ومدنية الحياة والتوجه ))).
- أثار “غزو” القوات الروسية لأوكرانيا أسوأ أزمة أمنية في أوروبا منذ عقود. فمع تخبط موقف العواصم الغربية، وترددهم بشأن تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، لردع الهجوم الروسي، فاجأ الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، الجميع بإعلانه فتح باب القتال للمدنيين الأوكرانيين، وللأجانب من غير الأوكرانيين حول العالم، لقتال الروس. ومن المثير لاستغراب المراقبين أن دعوة زيلينسكي لقيت ترحيباً دولياً، ولم تواجه أي انتقادات أو معارضة غربية، في الوقت الذي كانت تتهم فيه الولايات المتحدة والعواصم الغربية أي شخص يذهب ليقاتل في منطقة الشرق الأوسط بالإرهاب والارتزاق. 
وفيما يرى المؤيدون لنهج السلطات الأوكرانية قراراتها الأخيرة تفكيراً من خارج الصندوق ورؤية إبداعية مطلوبة في وقت الحرب، تثار مخاوف من “ارتدادات”
حلول كهذه مستقبلاً، خاصة أن جلب المقاتلين الأجانب كان له تداعيات سلبية عديدة على أمن دول أخرى، بينها العراق وسوريا، الجدل القائم هو حول ما إذا كانت القوات الغربية تسعى مجدداً لإعادة التجربة الأفغانية في أوكرانيا.
وبينما تركز معظم التحليلات بشكل صحيح على الوضع المباشر في أرض المعركة، من المهم بنفس القدر تناول المخاطر والنتائج المحتملة على المديين المتوسط والبعيد لتسليح المدنيين واستدعاء مقاتلين أجانب ومرتزقة على مستقبل أوكرانيا، والأمن الأوروبي والدولي بصفة عامة.

سياسة تسليح أوكرانيا: اللعب بالنار
جرت في الأسابيع الأخيرة قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، مناقشات سرية بين الحلفاء الغربيين حول كيفية تسليح ما يتوقعون أن يكون مقاومة أوكرانية شرسة. وقد كشف بوريس جونسون عن قضية مثل هذه الخطوة في خطاب دراماتيكي أمام مؤتمر ميونيخ للأمن، حيث قال: إنه من المصلحة الذاتية الجماعية للغرب أن “يفشل أي غزو روسي، حتى الآن فقط إنه من الممكن توريد أسلحة”، مضيفًا أنه لن يستبعد ذلك. لن يرغب الغرب في أن يُنظر إليه على أنه يثير مقاومة دموية وعقيمة كانت تخاطر بنشوب صراع أوسع بين الناتو وروسيا.
مناقشات مماثلة جرت في الولايات المتحدة، حيث أشارت تقارير إلى أن مستشار الأمن القومي للبلاد، جيك سوليفان، قد أخبر أعضاء مجلس الشيوخ أن الولايات المتحدة مستعدة لتسليح المقاومة ولن تقبل انتصاراً عسكرياً روسياً يمحو المبادئ القومية.
وبينما أوضح الرئيس بايدن أنه “لن يرسل جندياً أميركياً للقتال في أوكرانيا” تحت أي ظرف من الظروف، فقد قدمت الولايات المتحدة أنواعاً أخرى من الدعم الأمني والاستخباراتي العلني -وكذلك السري- لأوكرانيا. في الولايات المتحدة، وافقت إدارة بايدن بتقديم (600) مليون دولار مساعدات عسكرية فورية لأوكرانيا، وهذه هي الدفعة الثالث من الدعم المالي الأميركي لأوكرانيا، بعد تخصيص مبلغي (60) مليون دولار من المعدات العسكرية إلى كييف في العام الماضي و(250) مليون دولار تضمنت صواريخ جافلين المضادة للدبابات، وغيرها من الأسلحة المضادة للدروع، أنظمة وقاذفات قنابل وذخائر، مما رفع إجمالي المساعدات خلال العام الماضي إلى أكثر من مليار دولار[. كما سمحت الولايات المتحدة لدول البلطيق بإرسال أسلحة، بما في ذلك الصواريخ المضادة للطائرات.. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعلن أن بلاده ستقدم معدات دفاعية لأوكرانيا، إلى جانب مساعدات إضافية بمقدار (300) مليون يورو. أما الحكومة الألمانية فقد أعلنت أن الجيش الألماني سيرسل ألف سلاح مضاد للدبابات و(500) صاروخ أرض -جو من طراز “ستينغر” إلى أوكرانيا وسط الغزو الروسي المستمر. ويمثل صاروخ ستينغر كابوسا تاريخيا بالنسبة للجيش الروسي، حيث مكن هذا السلاح “المجاهدين الأفغان” من إلحاق أول وأكبر هزيمة بـ”الجيش الأحمر” بعد عشر سنوات من الاحتلال السوفيتي لأفغانستان والذي امتد لمدة عقد من الزمن ما بين ديسمبر (كانون الأول) 1979 و15 فبراير (شباط) 1989.
كما سمحت برلين لشركائها في الناتو، هولندا وإستونيا، بتسليم أسلحة إلى أوكرانيا. بالنسبة لهولندا، تشارك (400) قطعة سلاح ألمانية الصنع مضادة للدبابات، في حين مُنحت إستونيا الموافقة على إرسال مدفعية من مخزونات ألمانيا الشرقية القديمة. تمثل هذه الخطوة تغييراً كبيراً في مسار ألمانيا، التي رفضت حتى الآن تسليم أسلحة فتاكة إلى أوكرانيا، بسبب سياستها المتمثلة في عدم إرسال أسلحة إلى منطقة نزاع.
أفادت وزارة الدفاع التشيكية، بأن الحكومة وافقت على إرسال أسلحة وذخيرة بقيمة (8.57) ملايين دولار لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها. قد أوصلت الحكومة في براغ بالفعل في 26 فبراير (شباط) شحنة تشمل (3000) مدفع رشاش و(7000) بندقية و(30.000) مسدس وأكثر من مليون طلقة ذخيرة إلى أوكرانيا. هذا بالإضافة إلى (4000) قذيفة مدفعية قيمتها (1.7) مليون دولار، وهكذا أصبحت براغ واحدة من أكثر الدول نشاطاً في تقديم المواد العسكرية إلى كييف، حيث بلغ مجموعها حتى الآن حوالي (30) مليون دولار أمريكي.
مسألة تسليح أوكرانيا لم تعد مسألة تخص الحكومات فقط كما كان الحال تقليدياً. الوضع أصبح أكثر تساهلا، إذ بدأت حملات تبرع بالأسلحة عبر السفارات الأوكرانية في دول العالم، أطلقت السفارة الأوكرانية في براغ، في 26 فبراير (شباط) 2022 بالتعاون الوثيق مع المسؤولين التشيكيين، حملة تبرع جماعي لتأمين التمويل لشراء الأسلحة. وبفضل هذا الشكل الجديد، يمكن لأي شخص الآن المساهمة بشكل مباشر في اقتناء أسلحة لأوكرانيا. النموذج ليس بعيداً عن مبادرات جمع التبرعات الإنسانية، يمكن لأولئك الذين يرغبون في المشاركة أن يضربوا معًا لتمويل شراء مدفع هاوتزر أو مركبة قتال مشاة أو حتى دبابة.
بدأت عمليات تدريب وتسليح الأوكرانيين، منذ عام 2015، بعد التوغل العسكري الروسي في القرم، حيث قامت القوات شبه العسكرية التابعة لوكالة المخابرات المركزية أيضاً بتشغيل برنامج تدريبي مكثف في الولايات المتحدة لقوات العمليات الخاصة الأوكرانية وأفراد استخبارات آخرين، وشمل البرنامج التدريب على الأسلحة النارية والملاحة البرية وتقنيات التمويه، من بين مجالات أخرى.
وأشارت “بي بي سي” إلى أن هذا يشمل تقنيات ما يسمى بالحرب غير النظامية أو حرب العصابات، مشبهاً إياها بنوع العمل الذي قام به مسؤول العمليات الخاصة في الحرب العالمية الثانية. هناك تشابه آخر، هو خطط “البقاء في الخلف” في أوائل الحرب الباردة، حيث تم إعداد مقالب أسلحة سرية في حالة انتشار الدبابات السوفيتية في جميع أنحاء أوروبا. قال أحد الأشخاص المطلعين على هذا العمل: “إنها مادة كلاسيكية في الحرب العالمية الثانية”. من المحتمل الآن أن يتم تفعيل هذه الخطط لمحاولة إبطاء التقدم الروسي”. بدأ البرنامج الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقراً له خلال رئاسة باراك أوباما، وتم تعزيزه لاحقاً في عهد الرئيس دونالد ترامب وزاد حجمه مرة أخرى خلال إدارة بايدن، وفقاً لمسؤولين سابقين لموقع  Yahoo News ].
مغامرة تسليح (شيطنة) المدنيين الأوكرانيين يتم تعريف المدنيين في المادة (50) من البروتوكول الإضافي الأول على أنهم جميع الأشخاص غير المقاتلين. يتمتع المدنيون بما يعرف بالحصانة المدنية -لا يجوز استهدافهم من قبل أطراف النزاع. واستهداف المدنيين جريمة حرب بموجب القانون الدولي بموجب المادة (8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. يتمتع المدنيون بالحصانة من الاستهداف المباشر من قبل العدو، طالما أنهم يمتنعون عن المشاركة بشكل مباشر في الأعمال العدائية. مما يعني أنه إذا شارك المدنيون بشكل مباشر في الأعمال العدائية، فهم عرضة للاستهداف طالما أنهم يشاركون بشكل مباشر. وبالتالي يعتبر أي شخص يشارك في الأعمال العدائية دون استيفاء المعايير المذكورة أعلاه مدنيًا يشارك بشكل مباشر في الأعمال العدائية، ولا يتم منحهم حماية المقاتلين وأسرى الحرب ويفقدون
حصانتهم. وفي خطوة مثيرة للجدل، دعا الرئيس الأوكراني إلى تسليح المدنيين الأوكرانيين لمواجهة الهجوم الروسي، بالإضافة إلى استدعاء الاحتياط وفرض التجنيد الإجباري على الشباب. ولكن حتى قبل أن تبدأ روسيا حشدها العسكري الحالي، في مارس (آذار) 2021 وافق البرلمان الأوكراني على قانون موسع من شأنه أن يسمح للجيش بتسليح المليشيات المحلية بأمر من زيلينسكي.
 بدأت وزارة الدفاع الأوكرانية من وراء الكواليس في التخطيط المكثف لتنظيم المقاومة الشعبية تجاه اجتياح روسي متجدد، وتشمل مشاريع كييف جميع شرائح المجتمع الأوكراني وفقا لخطة مشتركة مع الجيوش الغربية. حيث استعان زيلينسكي لقيادة الدفاعات الإقليمية بالجنرال يوري جالوشكين اليميني المخضرم في معارك 2014 ضد الانفصاليين الموالين لروسيا في دونيتسك. وبالفعل، بدأت أوكرانيا بتوزيع الأسلحة على المدنيين في كييف وبقية المدن الأوكرانية، وأفاد مستشار وزارة الداخلية فاديم دينيسينكو بأنه تم تسليم (18000) مدفع رشاش في كييف إلى متطوعين مدنيين.
 كما اقترح الرئيس زيلينسكي إطلاق سراح سجناء من ذوي الخبرة العسكرية إذا كانوا على استعداد للانضمام إلى القوات المسلحة الأوكرانية. الاقتراح المثير للجدل هو مقياس جيد لمدى يأس الحكومة، فتسليح المدنيين والمجرمين المحكوميين في مثل هذه الأجواء المتوترة، يمكن أن يخلق أنواعًا أخرى من المشاكل. 'اللجوء إلى المرتزقة والمقاتلين الأجانب
لم يقتصر الأمر على تسليح وتجنيد المدنيين، بل تجاوزت الدعوات إلى استقطاب واستدعاء مقاتلين أجانب متطوعيين و(مرتزقة) بدأت الخطوة فعلياً، بدعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كل الأجانب الراغبين في الانضمام إلى مقاومة المحتلين الروس وحماية الأمن الدولي، للمجيء إلى بلاده والالتحاق بصفوف الجيش، في 27 فبراير (شباط) 2022 وقد أصدر مرسوماً في هذا الموضوع، يقضي بتشكيل فرقة دولية من المتطوعين تابعة للجيش، وذلك حتى تتحول الحرب ضد روسيا من حرب شعبية إلى حرب دولية.
 ثم جاءت الخطوة الثانية تفسر طريقة تنفيذ المرسوم، إذ دعا وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، هؤلاء إلى الالتحاق بالقنصليات والسفارات ألأوكرانية في بلدانهم، لتزويدهم بالمعلومات الضرورية لتسهيل
وصولهم إلى أوكرانيا. وقد وسع وزير الخارجية الأوكراني في تصريحه مفهوم المتطوعين، فأدخل ضمنهم، ليس فقط الذين يريدون القتال ضد روسيا دفاعاً عن وحدة أراضي أوكرانيا، بل ضم إليهم حتى “الذين لهم ثأر أو حسابات ضد روسيا” بغض النظر عن مصالح أوكرانيا، واعتبر أن المشكلة قد حلت تماماً بوجود إطار قانوني يمكن هؤلاء من الانضمام إلى الجيش الأوكراني.
المثير في الموقف ليس فقط عدم تعليق أو اعتراض دول الاتحاد الأوروبي أو بريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية، بل لم يصدر أي تعليق حتى من الدول التي يفترض أن سفارة أوكرانيا أو قنصليتها تلقت طلبات بها في هذا الشأن، لأن هذه العملية، أي التحاق مقاتلين متطوعين من دول أخرى إلى أوكرانيا، لا تكفي فيها الرغبة والإرادة من قبل أوكرانيا، بل لا بد أن تحظى بقبول المجتمع الدولي، وموافقة الدولة التي منها يخرج المتطوعون للقتال.
وبالتزامن مع إعلان لاتفيا موافقة البرلمان بالإجماع على إرسال المتطوعين بالقتال إلى أوكرانيا في 1 مارس (آذار) 2022.]. سارعت دول أوروبية لمشاركة أوكرانيا في حشد المقاتلين؛ حيث أعلنت بريطانيا والدنمارك السماح للمتطوعين من بلادهما بالانضمام إلى فيلق دولي.
شجعت وزيرة خارجية بريطانيا ليز تروس البريطانيين بالقول: إنها ستدعم “بشكل مطلق” أولئك الذين يرغبون في الاشتراك للقتال كجزء من القوات المسلحة الأوكرانية. ووصفت المعركة بأنها من أجل الحرية والديمقراطية. ووفقاً لتقارير بريطانية، فإن (60) متطوعاً بريطانياً من جنود الجيش والقوات الخاصة السابقين من بريطانيا، والهواة الذين لم يسبق لهم مثيل في القتال سافروا إلى أوكرانيا، وانضموا إلى “وحدة العصبة الوطنية الجورجية” المسلحة، تم جمعهم من قبل ماموكا مامولاشفيلي قائد الفيلق الوطني الجورجي. كذلك الأمر في الدنمارك، إذ  أكدت رئيسة وزراء الدنمارك ميتي فريديريكسن، أن بلادها ستجيز للمتطوعين الانضمام إلى لواء دولي تعتزم أوكرانيا تشكيله للتصدي للغزو الروسي. نافية وجود أي “عائق قانوني” يحول دون ذلك.[14] كما أشارت وسائل إعلام سويدية إلى تطوع (400) سويدي في فيلق أسسته أوكرانيا ناطق باللغة الإنجليزية لجمع المتطوعين الأجانب. فيما يُعتقد أن أكثر من (100) شخص يعيشون حاليًا في أسكتلندا قد سجلوا أسماءهم للقيام بذلك. وفي نفس السياق، أفادت صحيفة ناشيونال ديالي اليابانية نقلاً عن مصدر في السفارة الأوكرانية في طوكيو بأن نحو (70) متطوعاً يابانياً، معظمهم جنود سابقون في قوات الدفاع الذاتي، عبروا عن رغبتهم في الاستجابة لدعوة السلطات الأوكرانية للمحاربة في أوكرانيا.
لم يقتصر الأمر على الدول الأوروبية، إذ تتوارد تقارير عن استقطاب مرتزقة ومقاتلين من أفغانستان، وليبيا، واليمن، والعراق، وإدلب السورية، الأمر الذي قال عنه المحلل السياسي كمال جفا، خلال مداخلة مع “سبوتنيك بالعربي”: “لدينا معلومات موثقة ودقيقة عن أنه تم سحب مجموعة من المقاتلين من جبال اللاذقية وإدلب باتجاه تركيا منذ فترة، ويجري تدريبهم بشكل جيد، وهم يحملون جنسيات روسية مثل مجموعات أوزبكية، وأجناد القوقاز، وعناصر الحزب الإسلامي التركستاني، وقبائل البشتون التي تعيش بين الحدود الإيرانية والأفغانية، أما تحرير إدلب فمتوقف على اتخاذ قرار روسي- سوري مشترك، خاصة وأن القوات التركية في الخطوط الأمامية هناك”. وبحسب وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا في 2 مارس (آذار) 2022، فإن (1000) مقاتل أجنبي قدموا طلبات للقتال في أوكرانيا ضد روسيا.
ذكرت هيئة الاستخبارات الخارجية الروسية في بيان أصدرته في 21 فبراير (شباط) 2022 أنها تمتلك معلومات تفيد بأن الاستخبارات الغربية، خاصة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، والاستخبارات الخارجية البريطانية، تجند مسلحين في نقاط ساخنة لإرسالهم إلى أوكرانيا. وأوضحت أنه: “يتم إعطاء الأولوية للأشخاص الذي تتوافر لديهم خبرة المشاركة في الأعمال القتالية بدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وإقليم قره باغ والبلقان وخاصة في البوسنة والهرسك وألبانيا وكوسوفو، وذلك مقابل ألفين إلى ثلاثة آلاف دولار شهرياً، مضيفة أنه حتى الآن استجاب ما لا يقل عن ألف شخص لهذا “العرض السخي”.
الغريب أن العديد من المنصات الإعلامية الأوكرانية سبقت زيلينسكي في مناشدته المفاجئة لدعوة المقاتلين الأجانب السفر إلى كييف لحمايتها، فمنذ يناير (كانون الثاني) 2022 والدعوات موجهة إلى الأجانب الراغبين في الدفاع عن أوكرانيا “ضد عدوان روسي محتمل”، لاتباع الإجراءات والخطوات المنصوص عليها، وتم فتح باب التبرعات المالية لمصلحة أوكرانيا، وحصيلة التبرعات هذه المرة ستذهب لدعم الجيش الأوكراني و”المتطوعين” بالسلاح والبرمجيات العسكرية والطائرات المسيرة والتدريب وغيرها.
قانون المقاومة الوطنية الجديد الصادر في أول يناير (كانون الثاني) جعل من كيان اسمه “قوات الدفاع الإقليمية عن أوكرانيا” كياناً قانونياً، وهذا الكيان يستقبل الأوكرانيين من المدنيين الراغبين في الانضمام للدفاع عن البلاد بنظام “نصف الوقت”، أي الدوام الجزئي ومن دون أن يخسروا وظائفهم المدنية أو يتركوا أسرهم. كما يستقبل الأجانب الذين أقاموا مدة خمس سنوات في أوكرانيا بشكل قانوني، ويودون الإسهام عسكرياً في عملية الدفاع ودرء الخطر الروسي.
 أما المقاتلون الأجانب المدربون، فمنذ عام 2016، أصبح من القانوني للأجانب الانضمام إلى الجيش الأوكراني، فيمكنهم التقدم للانضمام إلى القوات المسلحة الأوكرانية، وكذلك الحرس الوطني كجنود في الخدمة العسكرية الفعلية. ويتيح القانون للجيش الأوكراني توقيع عقود خدمة مع أشخاص أجانب تنطبق عليهم شروط اللياقة البدنية والعقلية، لشغل وظائف جنود على أن تتراوح الأعمار بين (18) و(40) عاماً، وقد تمتد لـ(60) عاماً في حالات استثنائية. ويتقاضى هؤلاء رواتب مثل التي يتقاضاها الجنود الأوكرانيون.
وعلى الجانب الآخر، يحشد الجانب الروسي الأجانب للقتال معه، بجلب مقاتلين من الشيشان، ولواء “فاطميون” (شكَّلته إيران من اللاجئين الأفغان للقتال في سوريا) ومن حزب الله اللبناني، ومن حزب الله العراقي، إضافة إلى “لواء أبو الفضل العباس” من سوريا، وبحسب التقارير الواردة، فإن عملية التجنيد لا تزال مقتصرة على تنسيق قوائم الأسماء وإجراء الدراسة الأمنية، من دون إبرام أي عقد قتالي حتى اليوم. وعن تفاصيل العقود، فإن شروط التجنيد مشابهة للشروط المنصوص عليها في عقود التجنيد للقتال في ليبيا وفنزويلا، وتتضمن إرسال المرتزقة إلى نقاط متقدمة ضمن القواعد العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا. وتضمنت عروض التجنيد، دفع راتب شهري قيمته (2000) دولار أميركي للمجندين، و(5) آلاف دولار لذوي القتلى، ومبلغ يراوح بين (200 إلى 500) دولار أميركي كتعويض للمصابين.
استراتيجية قديمة متجددة، خطط غربية لتسليح المقاومة الأوكرانية على مدى السنوات العديدة الماضية، توافد المقاتلون الأجانب للانضمام إلى جانبي الصراع الأوكراني. منذ عام 2014، سافر أكثر من (17000) مقاتل من أكثرمن (50) دولة إلى أوكرانيا، بمن في ذلك اليمينيون المتطرفون، وفقاً لتقرير 2019 الصادر عن مجموعة صوفان. وبحسب استخبارات الجمارك وحماية الحدود الأميركية (CBP) لشهر يناير (كانون الثاني) 2020، قامت حركة آزوف، وهي جماعة أوكرانية متطرفة، بتجنيد مقاتلين أميركيين من العنصريين البيض للسفر إلى أوكرانيا “لتلقي التدريب والتلقين والتوجيه في الحرب غير المتكافئة. 
وبينما يقوم الصحفيون الغربيون ببث مشاهد توزيع الأسلحة وتدريب المدنيين من قبل كتيبة آزوف خلال الأزمة الحالية، وتوصيفهم بالمقاوميين للغزو الروسي، يصف مكتب التحقيقات الفيدرالي الخاص آزوف بأنها “وحدة شبه عسكرية، معروفة بارتباطها بأيديولوجية النازيين الجدد واستخدام الرموز النازية”. وفي 2017، ذكرت صحيفة “كييف بوست” أن حوالي (130) من مقاتلي “القطاع الأيمن” السابقين المعروفين بآرائهم اليمينية المتطرفة والقومية المتطرفة، هم الآن جنود متعاقدون في الجيش الأوكراني”. كما وجد تقرير من معهد الدراسات الأوروبية والروسية والأوروبية الآسيوية بجامعة جورج واشنطن، صدر في سبتمبر (أيلول) 2021 مجموعة أخرى من اليمين المتطرف، تدعى “Centuria”، تتفاخر بأن أعضاءها يخدمون حاليًا كضباط في الجيش الأوكراني. وقالت: إنهم نجحوا في إقامة تعاون مع زملاء أجانب من دول مثل فرنسا والمملكة المتحدة وكندا والولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وبولندا. 'انقسام أوروبي، وانتهاك القانون الدولي
يُعرّف البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف الموقعة عام 1949، المرتزق على أنه أيّ شخص: يُجرى تجنيده خصيصاً محلياً، أو في الخارج، ليقاتل في نزاع مسلح؛ يشارك فعلاً ومباشرة في الأعمال العدائية؛ يحفزه أساساً إلى الاشتراك في الأعمال العدائية، الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويبذل له فعلاً من قبل طرف في النزاع أو نيابة عنه وعداً بتعويض مادي يتجاوز بإفراط ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم؛ وليس من رعايا طرف في النزاع ولا متوطناً بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع؛ ليس فرداً في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع؛ وليس موفداً في مهمة رسمية من قبل دولة لسيت طرفاً في النزاع بوصفه فرداً في قواتها المسلحة. وجرمت الأمم المتحدة كل مرتزق، وكل من يقوم بتجنيد أو استخدام أو تمويل المرتزقة، كما حظرت على الدول تجنيدهم واستخدامهم، إذ لا يتمتع المرتزق بوضع المقاتل أو أسير الحرب.
إن تجاوب دول أوروبية مع دعوة حشد المقاتلين الأجانب خطوة لتكريس فكرة المرتزقة، وهو ما تحرمه اتفاقية جنيف، ويخالف قرارات مجلس الأمن التي لا تسمح بنقل المقاتلين أو الجماعات المتطرفة، بكل أنواعها، يميناً متطرفاً أو إسلامية أو عرقية، حيث يتم توصيف هؤلاء المقاتلين بمجرمي حرب، والذي يمكن بدوره إحداث فوضى حمل السلاح وتداعيات خطيرة على الأمن الدولي.
إن أوروبا منقسمة. وباستثناء الدول التي تعاني من “رهاب الروس” المرضي مثل بولندا ودول البلطيق، يدرك الجميع في أوروبا تقريباً أن الخطة الأميركية لأوروبا تعني الانتحار. ومع ذلك، فقد اعتاد معظم الأوروبيين في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية على الخضوع لواشنطن، وهم غير قادرين على تحمّل مسؤولية أمنهم. وكل أحاديث ميركل وماكرون وغيرهما من القادة الأوروبيين بشأن الحاجة إلى إنشاء جيش أوروبي خاص بهم، وعدم موثوقية الولايات المتحدة الأميركية، لم تفضِ في نهاية المطاف إلى أية نتيجة.
فيما يتعلق بذلك، حذر الوزير الأول في أسكتلندا نيكولا ستورجيون من أن الذهاب إلى منطقة الحرب سيكون له نتائج عكسية، بخلاف الأفراد العسكريين المدربين. يمكن نظرياً محاكمة أي شخص يسافر إلى الخارج للقتال بموجب قانون مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة.
كما أثيرت العديد من التساؤلات من الصحف البريطانية حول قانونية سفر البريطانيين إلى الخارج للقتال في صراعات خارجية سابقة. عام 2014، حذرت النيابة العامة البريطانية من أن مواطني المملكة المتحدة الذين ذهبوا للقتال في الحرب الأهلية السورية قد يرتكبون جريمة، حتى لو انضموا إلى المتمردين الذين يقاتلون للإطاحة بالرئيس بشار الأسد. وقد ألمح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون اليوم إلى أن المتطوعين البريطانيين الذين يتوقون إلى مواجهة القوات الروسية لفلاديمير بوتين يمكن مقاضاتهم بموجب قوانين الإرهاب البريطانية إذا خرجوا للقتال في أوكرانيا. فيما بدا أن التصريحين يناقضان وزيرة الخارجية ليز تروس، التي دعمت البريطانيين الذين أرادوا الانضمام إلى حركة المقاومة.
في غضون ذلك، يحذر الجيش البريطاني الجنود البريطانيين “داخل أو خارج المغادرة” من حمل السلاح ضد روسيا، بسبب مخاوف من أن مشهد الشارات البريطانية قد يؤدي إلى تصعيد كبير في الصراع، إذ نقلت صحيفة “ديلي ميل” منشورًا على خدمة الرسائل الداخلية للجيش جاء فيه: كانت هناك بعض التغطية الإعلامية الأخيرة المتعلقة بالترحيب بالأجانب في أوكرانيا للمساعدة في القتال ضد روسيا. لكي نكون واضحين، بصفتك عضو في الجيش البريطاني، لا يحق لك السفر إلى أوكرانيا لدعم الصراع المستمر ضد روسيا بأي شكل من الأشكال، سواء كنت في إجازة أم لا”.
استنساخ سيناريو “الجهاديين” الأفغان هذه الرغبة الأميركية الغربية بتسليح أوكرانيا لا تهدف لمواجهة القوات الروسية أو منازلتها على الأرض الأوكرانية، إنما هي محاولة أميركية لتوريط الروس بمستنقع أوكرانيا، بحيث تطرح سيناريوهات مشابهة لما تم في أفغانستان، عندما شجعت الولايات المتحدة الأميركية وصول المتطوعين للقتال إلى جانب أفغانستان من أجل مواجهة الاحتلال السوفيتي لبلادهم سنة 1979، إذ استمر الدعم لأكثر من عقد من الزمن حتى انسحاب السوفيت سنة 1992، بل حتى إسقاط الحكومة الموالية لموسكو في التسعينيات.
من وجهة نظر الإدارة الأميركية، تمثل الحرب بالوكالة الخيار الأفضل المريح لأميركا، إذ لا يكلفها مواجهة مباشرة مع روسيا، فواشنطن أعلنت حتى قبل اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، أنها لن ترسل مقاتليها إلى كييف، وهي تخطط -في نظر من يطرح هذا السيناريوـ لأن تستنزف روسيا في حرب مستمرة، لا تقوى فيها على الحسم، وأنها في سبيل ذلك، ستعمل على ثلاث واجهات: تقديم الدعم العسكري لكييف، وتيسير وصول مقاتلين أجانب لإسنادها، وتوسيع سلة العقوبات القاسية على روسيا لشل قدرتها على الاستمرار في الحرب، أو لجعل مهمتها في أوكرانيا مستحيلة. 
يمكن أن نستنتج هذا من خطاب الرئيس جو بايدن أما الكونغرس في 2 مارس (آذار) 2022، إذ تعهد بأن يدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ثمناً غالياً للحرب في أوكرانيا على المدى الطويل، حتى لو نجحت حملته العسكرية على المدى القصير، وخرج بايدن عن النص المعد سلفاً ليقول: “ليس لديه أدنى فكرة عما ينتظره”. وعندما يتحدث بايدن ومن قبله جونسون عن الحاجة إلى فرض تكاليف على روسيا وإثبات أن غزوها لم يكن ناجحاً، فقد لا يتحدثان فقط عن التكلفة الاقتصادية للعقوبات، ولكن أيضًا عن التكلفة البشرية في شكل أرواح الجنود الروس على المدى البعيد.
وسبق أن لمحت إليه السياسية والدبلوماسية الأميركية هيلاري كلينتون في الأول من مارس (آذار) 2022، حيث أشادت بالطريقة التي طرد بها المتمردون المسلحون في أفغانستان روسيا من أفغانستان في الثمانينيات. وأضافت أنه يتعين على الولايات المتحدة الاستمرار في تزويد أوكرانيا بالأسلحة لمواصلة قتال روسيا. وقالت: “أعتقد أنه يجب علينا توفير أسلحة عسكرية كافية للجيش الأوكراني والمتطوعين، وعلينا أن نحافظ على تشديد الخناق”.
على الرغم من أن هيلاري أثنت بشكل ملائم على “المتمردين ذوي الدوافع العالية” في أفغانستان، والمعروفين باسم المجاهدين، لإجبار روسيا (الاتحاد السوفيتي آنذاك) على الخروج من أفغانستان، فإنها نسيت أن تذكر أن تلك الجماعات هي نفسها التي شكلت منظمات إرهابية مثل طالبان والقاعدة اللتين حولتا أفغانستان في النهاية إلى أرض قاحلة متطرفة، ودفع الشعب الأفغاني ثمنا باهظا للحرب فيما مات ما لا يقل عن مليون أفغاني، وأصبح خمسة ملايين لاجئين في باكستان وإيران، ونزح ملايين آخرون في بلادهم.
إن نموذج تطوع الأجانب للدفاع عن دول أخرى تم تطبيقه كذلك في التجربة السورية. ونتج عنه توفير ملاذات آمنة للجماعات المتطرفة والإرهابية، الذين كانوا يسعون للإطاحة بحكومة بشار الأسد. أثبتت معظم هذه الفصائل أنها إسلامية راديكالية وليست من دعاة القيم الديمقراطية الغربية، وانتهى الأمر بالكثير من الأموال والأسلحة في أيدي جبهة النصرة ونشطاء متطرفين آخرين، وظهر أخطر تنظيم ارهابي امتد عنفه إلى كافة دول العالم، فما زالت العديد من الدول تعاني من خطر داعش فضلاً عن الذئاب المنفردة التي عادت إلى دولها وهي تحمل فكر وعنف التنظيمات الإرهابية.
يطرح القياس الأفغاني السوري، أسئلة مهمة للحرب الجديدة في أوكرانيا. ما الدولة أو الدول التي ستكون الراعي في الخطوط الأمامية؟ هل هم مستعدون لتحمل حرارة روسيا؟ ما مقدار الدعم الذي ستقدمه الولايات المتحدة والناتو؟ هل يشعل التمرد صراعا أوسع، وهل يمكن احتواؤه؟ هل الأوكرانيون مستعدون لدفع الثمن؟ 'المخاطر المحتملة من خطوة شيطنة المدنيين واستدعاء المرتزقة
هذا النموذج –فتح باب التطوع للدفاع عن أوكرانيا- لاشك أنه لا يبشر بوضع نهاية سريعة للصراع، إذ يشير إلى تبني القيادة الأوكرانية لسيناريو جر الجيش الروسي إلى حرب مدن وشوارع لتحييد القدرة الجوية والصاروخية، والدخول في حرب طويلة تستنزف روسيا وتغرقها في مستنقع جديد، وقد يكون هذا السيناريو هو ذاته الذي تريده الولايات المتحدة؛ كونها أكثر الراغبين بإضعاف موسكو.
حول هذا يقول تيد جالين كاربنتر في مقال “لماذا سيكون تسليح (مقاتلي المقاومة) الأوكرانيين فكرة سيئة حقاً”: إن تجربة واشنطن في محاولة فحص الفصائل في دول أخرى لضمان دعم أميركي مماثل ليست تجربة مشجعة، إن مساعدة واشنطن للمقاومة الأفغانية لم تستفد في النهاية من أفغانستان أو الولايات المتحدة، كما أحرجت الولايات المتحدة نفسها، وعرّضت القيم الأميركية للخطر بشكل كامل من خلال دعم عملاء أجانب لا يستحقون، وحتى بغيضين، في حروب بالوكالة ضد الأنظمة التي وصفها صناع السياسة الأميركيون بالخصوم. لم يكن دعم أمثال نيكاراغوا كونترا ومنظمة يونيتا الاستبدادية التي يقودها جوناس سافيمبي في أنغولا مصدر فخر للولايات المتحدة.
بعيداً عن جدلية أحقية أوكرانيا باستخدام كافة الوسائل للدفاع عن سيادتها واستقلالها، إلا أن فتح هذا الباب هو فتح لأبواب جهنم على كامل القارة الأوروبية، حيث إن سقوط أسلحة خطيرة مثل صواريخ “ستينغر” المضادة للطائرات في أيدي المقاتلين يهدد أوروبا بالكامل؛ لإمكانية انتقال الأسلحة عبر الحدود واستخدامها في استهداف طائرات مدنية، مما يزيد من شيوع الجريمة في أوروبا.
قد تنتهي الحرب بالوكالة في وسط أوروبا، مع تسليح الولايات المتحدة وحلفاء الناتو لمقاتلي المقاومة الأوكرانية، بكارثة. هناك اتجاه على المدى القصير للتركيز على الموقف الأخلاقي الأعلى، وهو أنه من الأفضل دائمًا مساعدة المدافعين ضد المعتدين. لكن يجدر التساؤل عما إذا كان ذلك في مصلحة الشعب الأوكراني، وما إذا كانت الأسلحة الإضافية تطيل أمد حرب كان من الممكن أن تنتهي بسرعة أكبر في ظل تسوية تفاوضية.
أحد المخاوف الأخرى، يتمثل في أن الانقسامات السياسية الداخلية قد تؤدي إلى اندلاع أعمال عنف من جانب الميليشيات المسلحة. ويمكن أن تستغل موسكو نقطة الضعف هذه، وتحول الميليشيات القومية إلى تهديد مزعزع لاستقرار الحكومة، الآن ولاحقاً. مع توقعات بنشوب حرب شعبية طاحنة في أوكرانيا، بما في ذلك الصراع الأهلي بين موالين لروسيا وأوكرانيين مناهضين لروسيا، يمكن أن يكون لها تداعيات رهيبة على المدى الطويل.
من جهة أخرى يمكن لهذه الجماعات “أن تتحول بسرعة إلى تمرد لامركزي في أجزاء كثيرة من البلاد، وبعد الانتهاء من تصفية الحسابات والصراع على النفوذ، ستبدأ هذه العناصر في استهداف المواطنين العاديين.
فيما تثار مخاوف عن مصير المقاتلين الأجانب بعد انتهاء الحرب وعودتهم لبلادهم، فمن المتوقع أنها ستكون مكلفة لهذه الدول، فيما يجب أن نستذكر بأن أوروبا ما زالت تعاني من تبعات عودة مقاتلين من مواطنيها الذين انضموا كمرتزقة لحروب في الخارج (مثل سوريا والعراق) أو مع تنظيمات إرهابية، كما يحدث في مخيم الهول ومخيمات داعش في شرق سوريا.
من جهة إنسانية، فالخلفيات الاجتماعية والتعليمية والثقافية المختلفة التي ينتمي إليها المقاتلون الأجانب، والتي في الأغلب لا تؤهلهم للتعامل السلمي مع أسرى الحرب والجرحى وغيرها من المسائل المتعلقة بقواعد الجيوش النظامية، وهو ما قد تنجم عنه انتهاكات رهيبة يصعب محاسبة مقترفيها لأنهم ليسوا جنوداً.
أما المخاطر المحلية على نطاق أوكرانيا، فتكمن المخاوف من جلب مقاتلين أجانب إلى أوكرانيا في أن هؤلاء في الغالب ليست لديهم دوافع نبيلة أو وطنية للحرب، بل يذهبون للقتال بحثا عن المال، وهم في الأساس عناصر إجرامية، مما يثير القلق من أن هذا الجهد يشجع على ملكية الأسلحة الخاصة، والتي تنطوي على مخاطر في الجريمة والانتحار والعنف المنزلي.
التقييم ما تقوم به الولايات المتحدة حالياً من دعاية مكثفة حول الغزو الروسي وخروج موسكو على كافة المواثيق الدولية ومبادئ الأمم المتحدة، واستخدام القوة العسكرية لقضم أراضي دولة جارة، هذه الدعاية إذا ما ترافقت فعلياً مع فتح الباب لدخول الأجانب إلى أوكرانيا، يكون العالم أمام إعادة مكررة للنموذج الأفغاني الذي لم ينتج عنه سوى تدمير أفغانستان وغرقها في مستنقع الإرهاب حتى يومنا هذا، وتصدير الآلاف من الإرهابيين إلى مختلف دول العالم، فضلاً عن تفريخ تنظيمات عديدة في مقدمتها تنظيم داعش.
وفي كثير من الأحيان يؤدي التدخل العسكري الأميركي إلى نتائج عكسية حتى لو قبل المرء أهداف الولايات المتحدة ومبرراتها، وبدلاً من حل جذور النزاع السياسية أو الاقتصادية الجذرية، فإنه يميل إلى استقطاب الفصائل وزيادة زعزعة استقرار البلاد، وتميل البلدان نفسها للظهور مرة أخرى في قائمة تدخلات القرن العشرين.
أوروبا اليوم أمام تحد حقيقي، فإذا ما سمحت بهذا السيناريو وسهلت عبور الأجانب إلى الأراضي الأوكرانية، فهي تضع قنبلة موقوتة في قلب القارة ستنفجر في وجهها بعد أن يهدأ غبار المعركة الروسية- الأوكرانية.
هنالك تحول كبير ونوعي للموقف الألماني على مستوى سياسي وعسكري أمني، فإرسال أسلحة فتاكة إلى أوكرانيا أخرجت ألمانيا من سياستها شبه الحيادية، مما يعني أن ألمانيا ودول أوروبا تشهد منعطفاً جديداً في سياساتها الخارجية، واستنزاف أوروبا ليس في اقتصاداتها وإنما في دفاعاتها، عبر التوجه نحو الإنفاق العسكري على حساب التنمية الاقتصادية.