التصحر والجفاف والعواصف الترابية في العراق

'د طورهان المفتي
خبير في الجيوكيمياء والتحسس النائي
استاذ مشرف على طلبة الدراسات العليا
وزير سابق

الملخص
كان العراق سابقا يمتاز بمناخ مميز من خلال وفرة الامطار والثلوج في الشتاء خاصة في شمال البلاد والتي تغني بكمياتها المتساقطة عن حر الصيف الذي يكون بلا امطار بل ان العراق كان يحدث فيه عدد من الفيضانات في فصل الربيع نتيجة الوفرة المائية في قنواتها وانهرها بسبب ذوبان تلك الثلوج والكمية الساقط المطري الكبير ,وقد ساهمت هذه الوفرة المائية الى نشوء غابات النخيل في الوسط والجنوب والتي عملت   مانعا جيدا للعواصف المختلفة اضافة الى المحافظة على درجات حرارة مقبولة صيفا ولاننسى وجود الاهوار في جنوب البلاد والتي توفر جوا من الرطوبة وتمنع تقرم الصحراء والكثبان الرملية.
الا ان المتغيرات العالمية في المناخ وتاثيرات الاحتباس الحراري وبناء السدود ادت بالنتيجة الى تاثر بعض الدول بصورة قوية بهذه التغيرات البيئية والمناخية وكان العراق واحدا من تلك الدول التي وقعت تحت تأثير الجفاف والتصحر وايضا العواصف المختلفة والتي توثر حاليا على جميع مفاصل الدولة في العراق والدول المجاورة وتنبئ بتوتر من نوع جديد في الشرق الاوسط. كل هذه المتغيرات يحتم على العراق ودول المنطقة العمل معا لغرض الخروج بنتيجة لحماية المنطقة من التوترات التي قد تطرا بسبب المناخ ومتغيراته. '
1 - تمهيد 
تتعرض منطقة الشرق الاوسط بصورة عامة والعراق بصورة خاصة الى موجات متواصلة من حالات الجفاف وتقدم للصحراء في عدة مناطق من البلاد وتشير التقارير بهذا الخصوص ان العراق ( الذي يبلغ نفوس سكانه اكثر من اربعين مليون نسمة وهو في زيادة مضطردة بنسبة نمو تصل الى 2.6 سنويا) قد يكون واحدا من اكثر الدول التي سوف تعاني من حالات الجفاف والتصحر والعواصف المختلفة وعلى هذا الاساس لابد من اتخاذ اجراءات كثيرة وخطوات كبيرة لغرض السيطرة على هذه الحالة او الحد من تاثيراتها السلبية والتي ان حصلت ان توثر فقط على العراق وانما على جميع دول المنطقة ودول اوروبا ايضا.

2 ـ تعاريف مهمة
2 - 1 التصحر 

يمكن تعريف التصحر بانها عمليات فيزيائية بصورة رئيسية  وتتضمن التعرية والتجوية معاً او احداهما والتي تودي مجملاً الى اختفاء الطبقة الترابية فوق سطح الارض والمتمثلة بالطبقة الصالحة للزراعة بسبب حجم حبيباتها الصغيرة والتي هي بحجم الاطيان والغرين (اصغر من0,002ملم) تاركة طبقات من الترسبات والروسبيات غير المتماسكة ضمن حجم حبيبات الرمل واكبر من ذلك (2ملم صعودا) ، وايضا تعرض تلك المنطقة من سطح الارض الى عملية غسل للمواد العضوية والمواد الضرورية لنمو النباتات ، كما تحدث مع التصحر ظاهرة الكثبان الرملية والتي هي تجمعات مختلفة الاشكال والاحجام ومتشكلة بصورة رئيسة من حبيبات رملية وتكون ذات قابلية حركية ونمو في الحجم ويساعدها في ذلك وجود العواصف وقوة الرياح . الصورة اداناه عبارة عن صورة فضائية  توضح الكثبان الرملية المتشكلة منذ سنوات في وسط العراق جنوب محافظة صلاح الدين. '

2 -2  الجفاف
حقيقة الامر فان كلمة الجفاف تدل وبصورة كافية على ماهيتها من قلة وجود المياه سواء كانت كمجاري مائية طبيعية متدفقة ام وفرة المياه الجوفية او الامطار، باضمحلال هذه المصادر المائية في اي بقعة من الارض سوف تؤشر الى ظاهرة الجفاف . الصورة ادانه تبين جفاف بعض القنوات المائية التي كان زاخرة بالمياه ومنذ عصور سبقت. ' ' 2 - 3 العواصف 
وهي عبارة عن اخلال في الضغط الجوي من منطقة الى اخرى مع اختلاف درجة الحرارة والرطوبة لتنتج بذلك قوة متحركة تسمى بالرياح، ومع زيادة سرعة الرياح تتحول الى عواصف ، عادة تحمل العواصف معها دقائق من محيط منشاءها فقط تكون عواصف محملة بالمياه مثلاً .
في منطقة الشرق الاوسط تكون هذه العواصف الناشئة في الاجزاء القارية تحمل معها حبيبات من الرمال وحبيبات من طبقات التربة ( حجم الحبيبات صغيرة ) وعلى هذا الاساس تسمى بعواصف رملية او عواصف ترابية او غبارية . الصورة ادناه عبارة عن صورة فضائية للعواصف في العراق وسوريا.

'3 - الجفاف تاريخيا في العراق
اشارت دراسات اثارية كثيرة جدا الى العراق او ما يسمى ببلاد  النهرين قد وقعت تحت تاثير الجفاف لفترات مختلفة ضمن العصور السومرية وما اعقبها من العصور الاخرى وصولا الى الامبراطورية الاشورية فقد ذكر عدد من الباحثين حديثا الى ان  الجفاف في بلاد الرافدين حدثت عدة مرات ومن ضمنها فترة جفاف ادت  الى انهيار الامبراطورية الاشورية,علما ان هذا الجفاف استمر لحوالي قرنين من السنوات بصورة متقطعة ومستمرة منذ حوالي القرن الثامن قبل الميلاد وما اعقبه وصولا الى سقوط الامبراطورية الاشورية سنة 610 ق م ، كذلك اشار باحثون محليون (منهم كاتب هذه الورقة )في دراسة القنوات ومجاري الانهر الصناعية في اربيل ابان الدولة الاشورية الى ان الامبراطور الاشوري سنحاريب (705-681 ق م ) قام بحفر ومد قنوات مائية الى بعض المدن الرئيسية مثل مدينة اربيل (اربائيلو) بسبب الجفاف الذي ادى الى انخفاض للمياه الجوفية والمجاري المائية الطبيعية قرب هذه المدن .
كما ورد في كثير من كتب السيرة والتاريخ حصول فترات جفاف على مدى عصور مختلفة من عمر العراق . ولايفوتنا ان نذكر ان بعض فترات جفاف المياه في العصر الحديث كانت سياسية وخاصة ما حصل في سبعينيات القرن الماضي عندما اقدم نظام الحكم في سوريا على قطع مياه نهر الفرات .
 ان دراسات التصحر وتقدم الكثبان الرملية لم تكن ملاحظة في الفترات الماضية بسبب بعد المسافة عن المدن وعدم الاستشعار باخطارها لاسباب كثيرة .
بكل تاكيد هذا لا يعني بعدم وجود عصور وفترات مطيرة فقد ورد في بعض الرقيمات الطينية البابلية بان البابليين كانوا يشربون الماء المثلج في الصيف ، مما يعني ان الاجواء كانت باردة وكثيرة المصادر المائية في تلك الفترة وطبعا مرورا بكثير من التسجيلات التاريخية حول الفيضانات في العراق (وادي الرافدين).

4 - الانهر والمسطحات المائية في العراق
 يتميز العراق بوجود نهرين يخترقان البلاد من الشمال والغرب وصولا الى جنوب البلاد وهما نهري دجلة والفرات واللذان يلتقيان ويشكلان شط العرب في اقصى جنوب العراق ليصب في نهاية المطاف الى مياه الخليج ، ولاتوجد لنهر الفرات روافد داخل العراق فيما يذخر نهر دجلة بالعديد من الروافد الرئيسة والثانوية . هذا وينبع نهري دجلة والفرات من الاراضي التركية ليمرا لمسافات متفاوتة في الاراضي السورية وبعد ذلك يدخلا العراق ,
ومن الجدير بالذكر ان الغالبية العظمى من الروافد المغذية لنهر دجلة تنبع من المناطق الجبلية والهضاب في الاراضي الايرانية لتدخل هذه المياه الى العراق.
كما توجد في البلاد الكثير من البحيرات الطبيعية والصناعية اضافة الى مساحات واسعة من الاهوار والمستنقعات جنوبي البلاد . وتبين الخريطة ادناه الانهر الرئيسة والمسطحاتى المائية في العراق. ' '5 - حجم المسطحات المائية في العراق 
توجد في البلاد العديد من السدود الكبيرة مثل سد الموصل والذي يبلغ سعته الكلية اكثر من 11مليار متر مكعب وعدد من السدود الاصغر من ذلك ، كما توجد في البلاد العديد من المنخفضات والبحيرات الطبيعية والصناعية مثل بحيرة الثرثار ذات السعة الكلية المتمثلة بـ 80 مليار متر مكعب .
ان اجمالي الخزين المائي لهذه السدود المختلفة الاحجام و البحيرات يصل الى اكثر من 120مليار متر مكعب كحالة مثالية ، الا ان وبسبب اختلال الواردات المائية من الدول الاقليمية اضافة الى فترات جفاف موسمية وسنوية فانها تؤدي الى عدم امتلاء الخزين بصورة كاملة فقد لا يتجاوز نصف السعة الاجمالية مع الاخذ بنظر الاعتبار طاقة الخزن الميت للسدود والبحيرات والتي لا يمكن انتاج واستعمال تلك المياه الموجودة هناك بصورة طبيعية . وهنا لابد ايضا من ذكر المساحات الشاسعة للاهوار والمستنقعات في جنوبي البلاد و التي تزيد مساحتها عن 10000 كيلومتر مربع (والتي دخلت ضمن لائحة اليونسكو للتراث الانساني ) ، علما ان هذه الاهوار تقلصت مساحاتها ابان النظام السابق الى حوالي 1500كيلومتر مربع نتيجة سياسة التجفيف التي مارسها النظام السابق في ثمانينات القرن الماضي ولتبدا الحكومة العراقية بعد 2003 باعادة الحياة مرة اخرى الى هذه المستنقعات المائية والاهوار . '6 - كميات الوارد المائي السطحي  في العراق 
تتذبذب كمية الوارد المائي في العراق من سنة لاخرى تبعاً لعدة متغيرات وهي :
1 - كمية الساقط المطري السنوي في العراق والدول المحيطة .
2 - درجات الحرارة وكمية التبخر للمياه
3 - بناء مشاريع اروائية وسدود وحاصدات المياه في الدول الاقليمية والتي تعتبر من الدول المتشاطئة مع العراق وهي كل من ( تركيا ، سوريا ، ايران) .
4 - العامل السياسي الضاغط على العراق من خلال استخدام المياه كورقة سياسية من قبل الدول المتشاطئة .
5 - كمية المياه المتسربة الى تحت سطح الارض كمياه جوفية.
وعلى هذا الاساس فان كمية الامطار المتساقطة سنويا قد تتجاوز 40 مليار متر مكعب في السنوات المطيرة ولتكون دون ذلك في السنوات ذات الموشرات الجافة .
كما وان حجم الواردات المائية من دول المنبع للانهار وروافدها قد تصل الى 90 مليار متر مكعب  سنويا في الحالات الطبيعية ولتغير تلك الكمية ايضا تبعا لما ذكرنا اعلاه من النقاط . علما ان الوارد الحالي لا يتجاوز نصف هذه الكمية ويخشى ان تصل الوارد المائي الى ربع هذه الكمية المثالية بعد عدة سنوات .
لابد من ذكر نقطة مهمة جدا وهي نوعية المياه وهل هي اي هذه المياه تبقى صالحة للاستعمال البشري والزراعي على طول خط العراق ام انها تختلف بين منطقة واخرى ، حقيقة الامر هذه معضلة اخرى تعاني منها البلاد وبشدة ذلك ان انخفاض الوارد المائي يؤدي بالضرورة الى زيادة الاملاح والعسرة والعناصر والمركبات الكيماوية الاخرى في المياه لتتحول هذه المياه في المناطق الجنوبية واقصى الجنوب الى مياه غير صالحة للاستعمال بتاتا كما وان انخفاض الوارد المائي يودي الى امتداد اللسان الملحي في جنوب البلاد مما تكون بالنتيجة هذه المياه في تلك المناطق سيئة النوعية للغاية .

7 - الخط المطري والاراضي الزراعية
نقصد بالخط المطري هنا  بانه ذلك الخط الخيالي الممتد على سطح الارض ضمن قطاعات جغرافية معينة توصف من خلالها كمية الامطار الساقطة والتي تسمح بانتاج الزراعة اعتمادا على الساقط المطري اي الزراعة الديمية.
ورد سابقا في المصادر الجغرافية ان الخط المطري للاراضي التي تعتمد على مياه الامطار في الزراعة تقع مثلا بين محافظتي كركوك وصلاح الدين ليصل من جهة الشرق الى تخوم محافظة ديالى ويصل باتجاه الشمال الغربي الى مناطق الجزيرة والحضر .
حاليا ومنذ سنوات فان هذا الخط انسحب عمليا الى الشمال وبقدار حوالي 100كيلومتر .وان تلك الاراضي التي كانت سابقا على الخط المطري باتت تعتمد  في السقاية على مياه الانهر والابار مما يعني بصورة اكيدة ان هذه المساحات الشاسعة تحولت الى اراضي غير ديمية .
ماذا يعني ذلك ؟
ذلك يعني زيادة الطلب على المياه بسبب الزراعة وتحول هذه المساحات الشاسعة باتجاه شمال البلاد (داخل اقليم كردستان )بمقدار 100كيلومتر وطول حوالي 160كيلومتر اي بمساحة تقدر ب حوالي 18مليون دونم من الاراضي .وان هذه الاراضي بصورة عامة  تحولت الى اراضي تحتاج الى المياه اذا ماكانت هذه الاراضي زراعية وعلينا ان نتخيل كمية المياه المضافة الى الحاجة الزراعية من خلال هذا الوضع ،والاشكالية هنا تظهر بصورة جدية فيما لو كان القرار بترك الاراضي الزراعية في هذه المنطقة فانها سوف تتحول مع الزمن الى اراضي جرداء وسوف تنتزع منها طبقات التربة الصالحة للزراعة على شكل عواصف ترابية وخاصة ضمن مناطق الحضر و غرب الموصل ، ولنا ان تتصور ماذا يحدث في الارضي جنوب هذا الخط المطري ان كان شمال الخط بهذا السوء . ,وتبين الخريطة ادناه الخط المطري ومقدار الزحف نحو الشمال بصورة تقريبية. ' '8-المياه الجوفية
لاتوجد في البلاد ارقام محددة ومؤكدة لحجم وكمية المياه الجوفية الموجودة في البلاد كما لا توجد الى الان اتفاق كلي للمختصين في الهيدروجيولوجيا حول هيدروداينميكية  المياه الجوفية وسلوكيتها وتحركاتها بين الخزانات المائية المختلفة الاعماق والاعماروالمواقع. .
تشير الدراسات الجيولوجية الى ان المياه الجوفية تبدا باعماق ضحلة جدا تقدر بعدة امتار وكما هي في مناطق السهل الفيضي في وسط العراق وصولا الى اعماق اكثر من 300 متر في المناطق الغربية ، كما ان نوعية المياه تختلف من مياه صالحة للاستعمال البشري الى مياه صالحة للاستعمال الزراعي الى مياه غير صالحة للاستعمال بتاتا بسبب النسبة العالية من الاملاح و العسرة .وعموما تقدر هذه المياه الجوفية بحوالي 200 مليار متر مكعب  منتشر في مختلف الطبقات الجيولوجية و الخزانات المائية وموزعة على جميع مساحات البلاد. '9-الاجراءات الحكومية للحد من هذه الظواهر
حقيقة الامر كانت هناك الكثير من الاجراءات والخطوات التي بحث فيها الحكومة العراقية في الحد من هذه الظواهر من الجفاف والتصحر منذ حوالي اربع عقود مضت ، حيث كانت المشاريع الاروائية في مناطق الجزيرة و مناطق الفرات الاوسط ومناطق اخرى من البلاد احدى الاجراءات التي كانت ترتجى منها زيادة الانتاج الزراعي ومنع زحف التصحر . الا ان الاوضاع السياسية والحروب التي خاضها النظام العراقي قبل 2003 ادت بالنتيجة الى عدم وجود تحركات فعلية لديمومة هذه المشاريع و تكملتها.
لعل واحدة من الاجراءات للحكومة العراقية بعد 2003 هي قيام مجلس الوزراء باصدار قرار خاص بتشكيل مجلس عليا لدراسة العواصف الترابية سنة 2013، حيث كان المجلس برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء انذاك لاعطاء الاهمية القصوى لهذه التغيرات البيئية ,وشكل المجلس داخليا مكتب الخبراء حيث كنا نحن رئيس هذا المكتب ، قدم المجلس مقترحات وحلول للحد من هذه العواصف وتعرية وتجوية  التربة ، الا ان احداث 2014 وما لحق بذلك من سيطرة داعش على اجزاء واسعة من البلاد والتي هي في معظمها مصادر تلك العواصف والبدء بمعارك تحرير الاراضي من سيطرة داعش قادت كل ذلك الى عدم تطبيق تلك المقترحات والحلول للحد من العواصف الترابية.

10-انواع العواصف في العراق
العواصف الرملية
كانت البلاد منذ الازل تحصل فيه عواصف رملية وفي مرات قليلة عواصف غبارية حيث تخضع العراق دائما الى انواع محددة مسبقا من العواصف  وكمثال وليس الحصر مايسمى بعواصف (الخماسيني) والتي تصل الى العراق اتية من شمال افريقيا مرورا بالاردن وسوريا فتحمل معه هذه العواصف ما تلاقيهم من الرمال والغبار في صحاري تلك البلاد.
ان العواصف التي تكون مصدرها الصحارى لاتكون ذات ضرر عميق بالعموم ولايؤثر بشكل مباشر على الزراعة او على صحة الانسان وانما تكون لهذه العواصف تاثيرات بفترات زمنية قد لا تتجاوز الدقائق المعدودة الى اقل من الساعتين وحسب النقاط ادناه:
1- سرعة الرياح التي تحمل هذه العواصف الرملية فكلما كانت السرعة عالية كلما كانت انجلاء العاصفة سريعا.
2- حجم الحبيبات التي تحمل بالعواصف ، فالعواصف الرملية   تكون حجم حبيباتها (بحدود 2 ملليمتر واكبر من 0.5 ملليمتر) بالتالي فان الحبيبات بهذه الحجوم سوف لن تصمد كثير في الجو بالضد من قوى التجاذب الارضي ، وعلى هذا الاساس فانها سوف تمكث بين عدة دقائق الى حوالي ساعتين كاطول فترة زمنية ،وبعد ذلك تصفو الاجواء  من اثار هذه العواصف ولن تترك اثارا طويلة المدى على الكائنات الحية.

العواصف الترابية
في الحقيقة هنا تكمن مشكلة العراق ، حيث ان هذه العواصف تكون بالغة الضرر للبلاد بجميع اشكاله حيث ان هذه العواصف بحجم حبيبات متناهية في الصغر وبقدرة الوصول الى ابعد نقطة في البلاد بسبب سهولة انتقال هذه الحبيبات في الجو حتى عند عدم وجود قوة رياح عالية ، فقد يكفي ان تكون هناك قوة رفع لهذه الحبيبات الى طبقات الجو المختلفة لتتولى بعد ذلك الرياح والنسائم تحريك هذه الحبيبات الى اي جهة اخرى .
في الحالة العادية تمكث هذه الحبيبات اكثر من 4 ساعات في الجوامع وجود طاقة الرياح ممكن ان تمكث فترى اطول مع استمرار الحركة لتصل الى حوالي 16 ساعة مستمرة في الاجواء كعوالق ترابية,وقد لوحظ ان مصدر هذه الانواع من العواصف هي من مناطق شمال غرب العراق أي جنوب جبل سنجاروامتداد تلك المناطق داخل سوريا(علما ان هذه الاراضي كانت سابقا ضمن الخط المطري ). صورة ادناه لعاصفة ترابية في وقت الظهيرة وسط العراق. '

11- التاثيرات المختلفة للعواصف الترابية
11-1 التاثيرعلى التربة والزراعة 

ان هذه العواصف حين تبدا فانها سوف تثير الجزء العلوي من نطاق التربة.صورة ادناه توضح  انطقة التربة المختلفة الونطاق السطحي المعرض للتجريد.
وبهذه الحالة فانها تعمل على تجريد تلك المناطق من اجزاء الرئيسة للتربة والتي تكون مهمة لنجاح الزراعة فيها ، بالتالي فانها اي هذه العواصف تساهم وبشكل فعال في تجريد الاراضي الزراعية وخاصة تلك الاراضي التي كانت تزرع سابقاً وتركت فيما بعد لاسباب متعددة منها الجفاف ، حيث ان الزراعة المتكررة تساهم في تفتيت التربة وتحويلها الى حبيبات صغيرة ومع ترك الزراعة تكون هذه الحبيبات جاهزة للانتقال مع قوة الرياح والتحول الى عاصفة ترابية تاركة ارض جرداء خلفها مع مرور الزمن وغير صالحة للزراعة مرة اخرى .

11-2 التاثير على الغطاء النباتي
المعروف ان النباتات الخضراء تمتلك خاصية  تنظيف اوراقها بنفسها بعملية فيزيائية وكيميائية خاصة بالنباتات ولذلك يمكن ملاحظة ان النباتات الخضراء تكون يانعة الخضرة على طول الوقت. الا ان الكثير من النباتات والاشجار  تبينت بانها لا تستطيع التخلص من هذه الحبيبات الصغيرة و التي تتجمع على الاوراق الخضراء للاشجار و النباتات والتي تؤدي بالنتيجة الى موتها ، وقد تم ملاحظة ذلك بصورة خاصة مع الاشجار الصنوبرية والحمضيات. يرجع سبب ذلك الى:
أ- ان صغر حجم الحبيبات قد تساهم في غلق مسامات اوراق النباتات وتمنع العمليات الحيوية  لها مما تؤدي بالنتيجة الى (اختناق) النباتات وموتها.
ب- ان استمرار التصاق هذه الحبيبات على الاوراق سوف تساهم في رفع درجة حرارة الاوراق وخاصة في الصيف حيث ان قابلية امتصاص الطاقة الحرارية لهذه الحبيبات اكبر مما تتحملها الاوراق (اي تعمل هذه الحبيبات (كمكواة ميكروية الحجم) تساهم في حرق و تيبس الاوراق ومع الزمن  مما تؤدي بالنتيجة الى موت النباتات. ' ' 11-3 التاثير على الصحة
وهذه واضحة جدا من خلال تسجيل مئات من حالات الاختناق للمواطنين في مختلف المدن والمحافظات في البلاد والتي تكون تحت سطوة هذه العواصف.

11-4 التاثير على السفر والتنقل
ان تاثيرات هذه العواصف تكون جلية وخاصة في توقف حرية وحركة الملاحة الجوية في المطارات الدولية في البلاد نتيجة انعدام الرؤية واحتمالية تاثير مكونات العاصفة على تقنيات الطيران والطائرات,مضافا الى ذلك صعوبة الانتقال برا وحتى بحرا.

11-5 التاثير على الاستثمار
مما لايترك مجالاً للشك ان هذه العواصف واستمرارها سوف تؤدي الى فشل الاستثمار في تلك المناطق وهروب رؤوس الاموال ، فهذه العواصف تجعل من العمل شيئاً مستحيلاً للعمال والموظفين مما يعني تعثر الاستثمار زمنياً ، كما ان رغبة الاستثمار في مناطق تتعرض الى العواصف والجفاف تكون مغامرة كبرى لاحتمالية عدم رغبة المواطنين في المكوث هناك .اضافة الى ذلك فان الكثير من المشاريع الاستثمارية لن تنجح في هكذا اجواء لانها تحتاج الى اجواء وظروف جوية جيدة مثل الاستثمار في الزراعة والثروة الحيوانية والمشاريع الترفيهية.

11-6 التاثير على الديموغرافية
مما ذكرنا اعلاه فان هذه التغييرات سوف تساهم في الهجرة من تلك المناطق الى مناطق ذات تعرض اقل للعواصف لغرض ايجاد مناطق عيش مناسبة وفرص عمل.
الا ان في اجواء قلقة مثل العراق فان هذه التحركات البشرية قد لا تكون مرحبة بها للانتقال من منطقة الى اخرى لما تحمل هذه الهجرات من كتل بشرية مختلفة التوجه والاتجاهات وكذلك لما تخلق هذه الهجرات من مزاحمات لفرص العمل وحتى الى التاثير على البنى التحتية للمناطق المهاجر اليها ( علما ان البنى التحتية في البلاد عمومًا متواضعة بالتالي ستكون تحت ضغط عالي جدا نتيجة زيادة الكثافة السكانية الناتجة من الهجرة بسبب العواصف).
ان جميع ما تم سرده يوحي بان البلاد قد يتعرض الى هزات مجتمعية عنيفة جدا فيما لو استمرت هذه العواصف وبقيت الحكومة العراقية عاجزة عن ردء الافرازات الجانبية لها من خلال تثبيت المواطنين في جغرافيتهم وتعويضهم وايجاد فرص عمل لهم كبدائل عن تلك الاعمال التي سوف يفقدها المواطنون نتيجة العواصف واستمرار الجفاف و قلة الموارد المائية

12- التوصــــــــــــــيات

12-1 الحلول الانية
1- انشاء صندوق محلي خاص للدعم الطارئ للمناطق التي تتعرض بصورة مستمرة الى العواصف حيث تكون من مهام هذا الصندوق الدعم المادي للمواطنين لغرض استمرار استقرارهم في مناطقهم.
2- توفير اجهزة طبية باعداد كافية للحد من التاثير الصحي للعواصف.
3 - شراء تقنيات رش المياه لغرض غسل النباتات والاشجار للمحافظة عليها من الموت.
4- دعم الطاقة الكهربائية وخدمات الانترنت في هذه المناطق للمحافظة على مكوث المواطنين في بيوتهم اثناء العواصف.

12-2 الحلول الاستراتيجية
1- انشاء صندوق دولي تعمل على الحد من العواصف الترابية من خلال مشاريع استزراع او الفرش الصناعي او اية افكار اخرى.
2- العمل على توقيع بروتوكولات دولية تساهم في الحصة المائية للدول التي تعاني من العواصف لتساهم في تقليل ضرر العواصف والجفاف وقلة الموارد المائية.
3- التوجه بانشاء عدد كاف من حاصدات المياه في جميع مناطق البلاد والتي تساعد على الاستقرار الديموغرافي والزراعي .
4- التوجه نحو الارواء الزراعي بتقنيات حديثة بعيدا عن مبدا الاغمار الموجود حاليا في العراق.