يمكن تعريف مصطلح (نقطة التلاشي) كتعبير علمي بانها تلك النقطة او تلك الجزء من المنظور البعيد والتي تنتهي اليها كل شيء لتكون كنقطة واحدة بغض النظر كون تلك الاشياء متوازية مع بعضها ام مرتبطة ام متبارية ……. الخ، وعلى هذا الاساس يمكن تقريب المفهوم من خلال استذكار تجربة الوقوف على الجزرة الوسطية بين شارعين متوازيين فسنجد في نهاية الجزء المنظور (عند نقطة التلاشي) بان رؤية ذلك الطريقين يبدوان للناظر بالتقارب والاقتراب الى حد ان الشخص المراقب للطريقين يتصورهما ملتصقان ولايوجد بينهما جزرة وسطية كالتي هو واقف عليها علماً ان الطريقين باتجاهين عكس السير ومتوازيين لم يلتقيا ابداً.
بالعودة الى الوضع السياسي للمنطقة بصورة عامة وللعراق بصورة خاصة ماذا نجد؟
سوف نجد ان العراق والحكومات المتعاقبة على البلاد منذ ٢٠٠٣ حاولوا ان يكونوا كنقطة ارتكاز ( جزرة وسطية) واستقرار المنطقة لاجل المحافظة على المكتسبات الحكومية الجديدة، وكان اهم المحاولات المتواصلة وباصرار لدى كل حكومة اتت وتاتي على هرم السلطة في العراق ان يكون ضمن خططه تحويل العراق الى حلقة وصل وتفاهم بين القوى الدولية المتعارضة ( وليست المعارضة ) فكان دأب الحكومات العراقية وضمن المستويات الادارية المختلفة بان يطرحون فكرة تقريب وجهات النظر بين تلك الاطراف .
على سبيل المثال ان يكون هناك خطوات من شانها تقريب وجهات النظر وبين المملكة العربية السعودية وبين الجمهورية الاسلامية الايرانية ،سواء بالبدء من المملكة او البدء من الجمهورية ( وهذه ما سنأتي عليها بمقالة اخرى).
كذلك لا ننسى نفس المحاولات والطروحات بين الولايات المتحدة الاميركية والجمهورية الاسلامية في ايران وايضاً بغض النظر عن نقطة الشروع من هناك او هناك .
كما كانت المستويات الادارية المختلفة لاتمانع في بعض الاحيان من حمل رسائل بين هذا وذاك لغرض تليين المواقف لكي لا تتاثر وضعية العراق بصورة سلبية حيث ان لعب دور حلقة الوصل كانت تتحول في في احيان كثيرة الى نقل رسائل فقط ) .ان ما تم طرحه اعلاه لا نقصد به بتاتاً انها كانت خطوة خاطئة سياسياً في منطقة مثل الشرق الاوسط ذات التحرك الدائم وتغير الاقطاب المستمر وانما القائمون على الامر في العراق لم يجدوا طريقا اخر يساهم في استقرار البلاد غير السياسة التوفيقية بين الاطراف المتعارضة انطلاقا من مفهوم حسن النوايا للحكومات العراقية المتعاقبة بعد ٢٠٠٣. الا ان هذا الاجراء قلناه دائما يجعل من البلاد جسر او جسوراً للعبور للمشاريع المختلفة وقد تستهوي بعض تلك المشاريع للسكون في البلاد مما يخلق مشاكل واشكالات لا نهاية لها والمتضرر الوحيد هو العراق ارضاً وشعباً، مما يجعلنا نقول ان العراق لابد ان يكون له خط واضح ويبتعد عن السياسة التوفيقية لاطراف لديها اختلافات بنيوية ناتجة مَن ارهاصات وتراكمات لايمكن للحكومات لعراقية تذليلها بتاتاً. كما وان العراق يجب ان يبني سياسته الخارجية بناء على رسالة خاصة به مبينة على مصلحة البلاد في المقام الاول والقراءة الجيدة لجيوبولتيك البلاد .
بايدن والرسالة الاخيرة وليست الاخرة
يبدو ان الرئيس بايدن ومن خلال حنكته السياسية وقربه من الساحة العراقية والشرق الاوسط لسنوات طويلة على علم بخفايا العراق فما هو مجهول للساسة الاخرون معلوم لدى بايدن وهو يعلم جيداً بدور العراق الدائمة في طرح فكرة حلقة الوصل والعمل على تذليل العقبات بين الاطراف المختلفة وخاصة بين اميركا وايران والذي هو حديث الساعة والساعات السابقة واللاحقة حيث التهديدات من الجانبين وسياسة عض الاصبع ( عملية عض الاصبع كانت قديما تحصل قبل المبارزة فالخصم يقوم بعض اصبع الخصم الاخر والعكس صحيح وايهم يبدء بالصراخ اولاً يكون الخاسر، فيخسر النزال ليتجنب خسارة القتال والتي قد تفضي الى ضحايا) .حيث ان بايدن يجد ان العراق لايستطيع عملياً القيام بتهيئة الاجواء التي من خلالها يمكن ترطيب العلاقات المختلفة بنيوياً، بمعنى اخر ان العراق ليست تلك الدولة العاملة كجزرة وسطية والحكومة العراقية غير ذلك الشخص الواقف على تلك الجزرة ،كما ان الرئيس السابق ترامب شرع بنفس الاجراء حول العراق ويمكن معرفة ذلك من خلال دراسة سلوك الحكومة الاميركية مع العراق وساحة العراق ابان حكم ترامب.
بالعودة الى الرئيس بايدن حيث شاهد جميع المتابعين للسياسة حركة بايدن من خلال اظهار ورقة كانت قد كتبت عليها جملتين فقط هما ( الولايات المتحدة مستعدة للرد على الهجمات - ايران تاخذ بعين الاعتبار وقف الهجمات)، لم يكن حركة بايدن عفويا مطلقًا حيث ان بايدن في لقاءه مع اقطاب الحكومة العراقية اشار بالورقة مما يوكد ان الموضوع كان حديث الساعة بين ادارة الدولتين بايدن والكاظمي .
ان قيام الرئيس بايدن بهذه الحركة اعطت دلالة واضحة بان اميركا تحت حكومة بايدن تفضل الرسائل المباشرة والمختصرة وتنتظر الاجوبة ايضاً مباشرة بطريقة او باخرى وبتعبير اخر ان بايدن ينظر الى اميركا وايران كذلك الشارعين المتوازيين وممكن اقترابهما مع الابتعاد في المنظور .
ان قيام بايدن بهذا الاجراء يبدو جلياً انهاء دور العراق كوسيط وطرف تحاول ترطيب الاجواء واصبح العراق حاله حال اي مراقب او شخص ينظر الى الشارعين بنظرة جانبية ومنتظراً ما قد. يحصل في المستقبل القريب حاله حال بقية دول المنطقة، مع التشديد على ان لا يكون نقطة التلاشي لسياسة الدولتين داخل العراق مما يعني تحول البلاد الى ساحة صراع فعلية بين تلك القوى المتضادة.
ان استبعاد العراق عن هكذا صراع له ايجابياته وفي نفس الوقت له من السلبيات الشيء الكثير، ذلك عند عدم الرغبة بوجود حلقة وصل قد يتبادر للذهن بان حلقة الوصل تلك قد تكون ذات ميول لطرف دون اخر ( التحول الى سياسة المحاور) مما يصعب من اجراءات ترطيب الاجواء و تصغير حجم الاشكالات والتصادمات ولاجل عدم الجري حول التكهنات مما قد يضر بالعراق فكان الافضل لدى الادارة الاميركية ارسال الرسائل بصورة مباشرة فاقرب مسافة بين نقطتين الخط المستقيم. مع الاخذ بنظر الاعتبار مسائل غاية في الاهمية وهي رؤية الادارة الاميركية الى العراق كجزء من الحل ام كجزء من المشكلة ومن خلال سلوك الرئيس بايدن يبدو ان الرؤية هو ان العراق جزء من المشكلة بالتالي لا يمكن ان يكون العراق جزء من الحل .
بهذا الاجراء نعود ونقول العراق الان بعيد عن ما سوف يجري بين الاقطاب المتضادة لكل من ايران واميركا ولن يكون هناك رأي عراقي في هذا السياق وعلى القائمين بالامر العمل على دفع التضادات الى ساحة اخرى غير ساحة العراق واستغلال مرحلة ابتعاد العراق من ساحة تنافس التضادات واستغلال هذه الحالة في العمل على استمرار التوجه الى اجراء الانتخابات المبكرة، ذلك ان اي تغيير في المسارات الدولية سوف يترك مجالا زمنياً هادياً لفترات قد تصل الى عدة اشهر مما يساهم في اجراء الانتخابات المبكرة في اجواء مناسبة والتي تعمل عليها الحكومة منذ فترة ليست بالقليلة.
*الرابط ادناه من قناة روسيا اليوم حول بايدن ورسالته
https://youtu.be/zM6iY9lMYNc