في شهر كانون الاول 2008 وقع وزير الكهرباء العراقي حينها كريم وحيد وبحضور رئيس الوزراء نوري المالكي عقدا مع شركة سيمنز الالمانية العملاقة بقيمة مليار و909 مليون دولار لتجهيز العراق ب 16 وحدة توليد كهربائية - بما في ذلك معدات الشبكة الكهربائية وغرف السيطرة - تبلغ طاقتها الاجمالية 3190 ميغا واط. كما نص العقد على ان تشرف سيمنز على نصب الوحدات وتختبر ادائها وان تقدم خدمات هندسية.
قررت الحكومة العراقية ووزارة الكهرباء نصب هذه الوحدات في 5 محطات كهرباء في الرميلة وبيجي ومدينة الصدر ودبس وتازة بكلفة اجمالية بلغت 901 مليون دولار. ووقعت الحكومة العراقية لهذا الغرض عقود انشاء محطات مع شركات من كوريا الجنوبية ومصر وايران. يضاف الى ذلك عقد لتأهيل محطة بيجي المدمرة بفعل العمليات الحربية مع سيمنز بلغت قيمته حوالي 750 مليون دولار.
وبينما سلمت سيمنز للعراق الوحدات التوليدية بين عامي 2010 و2013 فقد رافقت عملية نصب هذه الوحدات وانشاء المحطات التي تستوعبها عقبات عديدة ادت الى تأخير انجاز المشروع واضرت بشكل فادح في عوائد العراق من توليد الطاقة الكهربائية الى الحد الذي حول المشروع الى خسارة اقتصادية للعراق.
وتستعرض تقارير حكومية عراقية هذه العقبات. ففي شهر ايلول 2012 احترقت 44 بكرة قابلوات مختلفة الحجوم شحنتها شركة سيمنز للعراق في مخازن الشركة العامة للنقل البري – وهي دائرة حكومية عراقية تعاقدت معها وزارة الكهرباء لنقل القابلوات من الموانئ الى مواقع المحطات – في ميناء ام قصر على الخليج العربي.
وكانت اسباب الحريق متعددة منها تأخر اخراج المواد بسبب تأخر الاجراءات الكمركية وعدم تمتع مخازن شركة النقل البري بشروط السلامة حيث احتوت المخازن على مواد قابلة للاشتعال واوساخ مما ادى لاندلاع الحريق الذي تسبب بتلف الشحنة.
كما تضررات شبكات الضغط العالي التي شحنتها سيمنز للعراق لان الشركة استأجرت سفن رديئة وتم وضع المعدات بطريقة عشوائية كما نقلت المعدات الى سفن اخرى عند وصولها الى موانئ تركيا والامارات العربية المتحدة.
وكان السبب الثاني في تأخير انجاز المحطات هو اصرار وزارة الكهرباء على التعاقد مع شركات ايرانية لانشاء محطتي الصدر ودبس رغم قرار الاتحاد الاوربي الذي فرض عقوبات على الشركات الايرانية حيث اضطرت وزارة الكهرباء لانتظار موافقة شركة سيمنز على التعامل مع الشركتين الايرانيتين مما ادى الى تأخر بدء عمل الشركات الايرانية لسنة كاملة.
كما ادى عدم التزام وزارة الكهرباء بتزويد شركة سيمنز باعفاء ضريبي شامل – كما نص عقد المشروع – الى امتناع سيمنز من تنفيذ العقد وتجهيز العراق بالوحدات التوليدية ل 16 شهر امتدت من شهر كانون الثاني 2009 وحتى شهر ايار 2010 مما اخر تنفيذ المشروع حوالي سنتين حيث وصلت اخر شحنة من الوحدات التوليدية في عام 2013 بدلا من عام 2011.
ورغم ان العراق دفع مبالغ طائلة لسيمنز لفحص اداء وحداتها التوليدية الا هذا الفحص لم يجر على ارض الواقع لان العقد نص على ان تدخل هذه الوحدات الى الخدمة خلال سنة من وصولها للعراق وهذا ما لم يحدث الا في مع محطة الرميلة التي دخلت الخدمة عام 2014.
ورغم ان العقد نص صراحة على استخدام العراق للخام والوقود الثقيل بالاضافة الى الغاز الطبيعي فان وحدات سيمنز كانت مصممة اساسا للعمل بالغاز مما ادى الى مضاعفة فترات التنظيف والصيانة ثلاث مرات واضعف انتاجية المحطات. كما لعبت نوعية الخام الرديئة الذي احتوى معدلات عالية من الكبريت والرصاص والاملاح دورا في تدني الانتاج وزيادة ساعات التنظيف والصيانة.
وحتى في المحطات التي جهزت بالغاز الطبيعي كمحطة الرميلة فانها لم تستطع ان تنهض بالانتاج لان الغاز المجهز لم يكن كافيا. كما لم تلتزم وزارة النفط بالخطة الوقودية المتفق عليها مع وزارة الكهرباء. وحتى عندما كان تجهيز الغاز كافيا فلم تتوفر خطوط نقل للطاقة لنقلها خارج البصرة.
في حين كان استخدام العراق للدورات البسيطة بدلا من الدورات المركبة – لاسباب تتعلق بالتمويل – عاملا اخرا اضعف انتاج المحطات.
اما محطة الصدر التي انشأتها شركتين ايرانيتين و دخلت الخدمة في شهر حزيران من 2015 فقد عانت من كارثة حقيقية عندما حدث انفجار في قاطع دورة المحطة في شهر اب من نفس السنة مما ادى لاحتراق اجزاء من المحطة وتوقفها نهائيا عن العمل لمدة طويلة. وتسبب انعدام كفاءة منظومة الحريق التي جهزتها الشركتان الايرانيتان في تحول الانفجار الى حريق.
واسهم عدم تزويد الشركتين الايرانيتين العراق بشهادة المنشأ للمعدات والاجهزة – بسبب العقوبات على ايران – في تعذر معرفة جودة هذه المعدات من عدمه. كما غرقت منظومة تفريغ الوقود بمياه الامطار لعدم تنفيذ الشركتين الايرانيتين منظومة مجاري كما نص العقد.
وقد قامت وزارة الكهرباء بتعويض الشركتين الايرانيتين بمجموعة كبيرة من القابلوات من محطة الرميلة دون مقابل! واستخدمت الشركة العامة للنقل البري في نقل القابلوات ودون مقابل ايضا.
وحتى قبيل احتراق المحطة فقد كان استهلاكها من زيت الغاز يكلف حوالي 40 مليون دولار شهريا لتعمل بطاقة 75% من سعتها التصميمية وهو مبلغ طائل ويحول المحطة الى مشروع خاسر وغير ذو جدوى اقتصادية. ولتحقيق ذلك احتاجت المحطة الى 3500 صهريج زيت شهريا. وقد ادت حركة هذه الصهاريج الى اضرار بيئية في المسالك التي تمر بها في مدينة الصدر.
كما ادى عدم انجاز محطتي دبس وبيجي ومن ثم سيطرة تنظيم الدولة على اغلب المناطق المحيطة بهاتين المحطتين الى تأخر العمل لانجازهما لسنوات عديدة.
وقد خصصت لمحطات بيجي والصدر ودبس مبلغا اجماليا بلغ مليار و 425 مليون دولار شمل قيمة الوحدات وانشاء المحطات. وكان هذا اقل من نصف قيمة مشروع سيمنز في العراق تقريبا وقد توقفت المحطات عن العمل بسبب العمليات العسكرية وحريق محطة الصدر. وعانت محطة بيجي – حيث جرت معارك طاحنة بين القوات الحكومية وتنظيم الدولة – من دمار واسع.
كما اسهم منح وزارة الكهرباء تمديدات – وفق اوامر اصدرتها بعد توقيع العقود الاصلية - للمدة الزمنية المقررة حسب العقود لانجاز المحطات في تأخر استكمالها ايضا. فمنحت الشركتان الايرانيتان مثلا سنتين ونصف تضاف الى مدة العقد الاصلية البالغة سنة لانجاز محطة الصدر.
ورغم ان العقد نص على ان يتم تدريب الكادر العراقي على ادارة المحطات في اوروبا وكوريا الجنوبية الا ان وزارة الكهرباء ارسلت مثلا 56 من الكوادر العراقية ممن ليس له علاقة بمحطة الرميلة في دورات لادارتها! وقد ارسل 2 منهم في 4 دورات متتالية. ولم ترسل الا 21 من كوادر المحطة الى تلك الدورات.
وكان احد من ارسلوا في 3 دورات متعاقبة متعاقدا وترك العمل بعد اكمال الدورات! في حين نقل بعض المتدربين من العاملين في المحطة الى خارج المحطة بعد اكمال الدورات. كما ارسل موظفون بدرجات عليا في دورات نظمت لتدريب العمال والفنيين.
وبالاضافة الى حريق محطة الصدر فقد عانت اغلب المحطات التي استخدمت توربينات سيمنز من نواقص في منظومات الحرائق. كما لم تلتزم الشركة الكورية المنفذة لمحطة الرميلة بمواصفات السلامة المهنية لدى تنفيذها منظومة الضغط العالي مما شكل خطرا على حياة العاملين فيها.
وبعد مرور 14 سنة من توقيع العقد مع سيمنز وعلى الرغم من انفاق ما لايقل عن 3 مليارات ونصف المليار دولار على الوحدات التوليدية والمحطات بالاضافة الى مليارات اخرى على التشغيل والوقود لاتزال المحطات العاملة لا تنتج اكثر من نصف او ثلث مجموع الطاقة التي تعاقد عليها العراق.
لم ترد وزارة الكهرباء على اسئلة كاتب التحقيق. كما لم يرد كل من رئيس الوزراء العراقي الاسبق نوري المالكي ووزير الكهرباء الاسبق كريم وحيد على اسئلة الكاتب ايضا.
تنويه : يستند هذا المقال الى وثائق الحكومة العراقية ولقاءات مع ذوي الشأن على مدى 4 سنوات. لذا يمنع اعادة نشره دون الاشارة الى كاتبه حيث يحتفظ بكامل حقوقه.