المقصود بعربة الترولي هي تلك الوسيلة المستخدمة لنقل الاشخاص التي تشبه قاطرة لكن بمقطورة واحدة، وهي ايضا حالها حال القطارات فتسير على السكك الحديدية ولكنها تختلف عن القطارات بانها تتحرك داخل المدن وليست بين المدن .
تم طرح فكرة او تجربة العربة (ترولي) لاول مرة سنة 1967 من قبل استاذة الفلسفة والاخلاقيات (فليبا فوت Philippa Foot) وبعد تلك التاريخ عمل على الفكرة علماء وباحثون اخرون، تتمحور هذه التجربة حول فكرة وجود عربة وسائق العربة وستة ضحايا، وهي كالاتي: فلو كان الشخص ضمن التجربة هو سائق العربة والعربة تمشي على السكة وليست لديها احتمالية الخروج من على السكة ( كونها قاطرة) وبعد مسافة تنقسم سكة الحديد الى طريقين هو اتجاه اليمين واتجاه اليسار، كما توجد خمسة اشخاص كضحية مقيدين على السكة في الطرف الايمن وضحية اخرى ( شخص واحد) مقيد الوثاق على السكة في الطرف الايسر.
فالتجربة والسؤال هنا هو لو كنتَ انت السائق فأي اتجاه ستختار؟ هل تختار اليمين لتقوم بدهس خمسة اشخاص ام اتجاه اليسار لتقتل شخص واحد فقط.
وهاهنا التجربة الانسانية والاخلاقية في ادارة هكذا ازمة واختيار الطريق الذي سوف يتحمل السائق كامل المسؤولية في قراره الحازم والمفصلي والمصيري بحق الضحايا وبحق عربته. فتُرى ماذا ستختار انت ولماذا؟
تعتبر هذه التجربة الاخلاقية واحدة من اكثر التجارب عمقاً وتعقيداً ولها ارتباطات ومتغيرات ومعاملات قد تكون اكثر من ان تعد، فمثلا هل هم اساساً يستحقون الدهس، هل اختيار الخسارة الادنى افضل من الخسارة الاعلى، هل الضحية الوحيدة مصلح واصلاحي اكثر من الضحايا الخمسة، هل هم اصدقاء ام اعداء، هل لهم صلة قربى معك ام مع اشخاص اخرين في العربة وهل قرارك جزء من الاخلاق والاخلاقيات وهل وهل الخ، امام هذه الاسئلة والنقاشات الجدية عليك ان تقرر ولتتحمل نتيجة ما سوف تقرره كسائق للعربة وكقائد للتجربة وعليك في نهاية المطاف ان تقاتل بشجاعة لتثبت صحة قرارك فبغير ذلك انت مذنب وتستحق العقاب .
العراق وعربة الترولي
المتابع للوضع العراقي وخاصة بعد2003 سوف لن يحتاج الى كثير من التفكير ولا الكثير من الوقت ليستنتج ان العراق عبارة عن عربة ترولي عملاقة ونحن كعراقيين جميعا مسافرون عليها وبين فينة والاخرى تتوقف العربة لتغيير طاقم قيادة العربة ولتمخر هذه العربة عباب سكة الحياة مرة اخرى لفترة زمنية مقبلة وهكذا.
إلا ان مفترق السكة لم يعيشه العراق الا في مرحلتين زمنيتين هما :
المرحلة الاولى:
حينما ظهر تنظيم داعش حيث كان امام العراق احتمالين وهما اما التضحية بالعراق او التوجه الى سكة التضحية والذود عن العراق ،وكان ماكان من القرار الصائب بدءًا من الفتوى الجهادية مرورا بقرارات الحكومة وانتهاءاً بتلبية الشعب ولكن ليكن التضحية بالشباب المؤمن بالعراق واحلام الاطفال وفرحة الامهات من خلال الحرب ضد داعش وتحرير الاراضي والمحافظة على وحدة البلاد والتي توحدت بوحدة الدم المراق من اقصى البلاد الى اقصاه وتحمل طاقم القيادة هذه المسؤولية والتي كانت كبيرة في التضحية والشهادة ولكنها هانت امام التضحية بالبلاد في حال عدم محاربة داعش والقضاء عليها.
المرحلة الثانية:
بدأت هذه المرحلة في عام 2019 وهي مسألة منطقية فبعد التحرير والقضاء على داعش وتقلص الفعاليات الارهابية والتوجه نحو البناء والانفتاح ،فامام هكذا فعاليات سوف تظهر فعالية اخرى الا وهي الفعالية الشبابية والتي صمتت لاسباب كثيرة منها انشغال الجميع في محاربة داعش والارهاب، لكن بعد انجلاء هذه الخطورة بدء الشباب بالرجوع الى عنفوانهم والتفكير في مستقبل البلاد ومستقبلهم الشخصي والبحث عن توفير فرص العمل والعيش المحترم وتحقيق الاحلام، والتي هي في الحقيقة متطلبات معيشة لا اكثر ولا اقل .لتكون هناك تظاهرات مطلبية عارمة ولتزامن هذه التظاهرات تحركات مرئية وغير مرئية للسيطرة على دفة الوضع العام للحيلولة دون الوصول الى فلتان الامور، امام هكذا عواصف فعلية قدمت الحكومة ( حكومة السيد عادل عبدالمهدي ) استقالتها ( وان لم تكن ممن تتحمل المسؤولية فالحكومة لم تتجاوز السنة من عمرها والمشاكل والارهاصات متراكمة وتزداد تراكماتها منذ عقود ) ولتتشكل الحكومة الحالية ولتكون امام هذه الحكومة تحديات من نوع خاص وكل تحدي فيه خيارين لا ثالث لهما وهو بالفعل معضلة الترولي لكل تحدٍ منهم بالتالي هي المرحلة الاخطر في تاريخ العراق المعاصر وصفحة من صفحات القرارات المصيرية لديمومة الدولة او اضمحلالها.
بالعودة الى المرحلة الثانية والتي لم نغادرها اصلاً فسنجد عدة قرارت وتحديات، فعلى سبيل المثال لا الحصر :
١ـ معضلة الترولي في العلاقات الخارجية الاقليمية بين اختيار السين ام الصاد.
٢ـ معضلة الترولي في الاتفاقيات الدولية بين اختيار حليف على الاخر .
٣ـ معضلة الترولي بين توفير درجات وظيفية ام المحافظة على الموازنة التقشفية.
٤ـ معضلة الترولي بين اختيار اطراف سياسية على اطراف اخرى لغرض تثبيت اركان الحكومة .
٥ـ معضلة الترولي في السير في الانتخابات المبكرة ام العمل على تاجيلها.
وهنا لابد من الاشارة الى ان كل معضلة مما سبق ذكرها كفيلة باحداث شرخ كبير في الوضع العام وتارجح القرار السياسي بين السماء والارض .
كما وان هذه المعضلات هي ليست مستقلة عن بعضها البعض وهي بالنتيجة لايمكن اختيار سلة دون اخرى فهي ليست مستقلة عن بعضها، كما لايمكن العمل على مناورات ذات مستويات متعددة لهذه المعضلات فهي بمجموعها سلتين وفي كل سلة مجموعة من القرارات وان صح التعبير فانها تنطبق عليها المصطلح التجاري (take it or leave it) فالحلول الجزئية مرفوضة جملةً وتفصيلاً على المدى البعيد والاجراءات التكتيكية لن تتجاوز مدياتها شهوراً معدودة .
اخيراً وليس اخراً وهو عند اختيار قرار وتفضيل ذلك على قرار اخر لا يعني عدم وجود خسائر ففي كلا الحالتين الخسائر موجودة ولايمكن قياس حجم الخسارة في المفاضلة ( فالمعاملات التفاضلية مختلفة كلياً كاختلاف حجم كيلوغرام من الحديد مع نفس الوزن من القطن ) وعلى هذا المنوال واقتراب الانتخابات نرى ان هذه المعضلات السابق ذكرها سوف تنتقل غالبيتها العظمى الى الحكومة القادمة ،عليه نرى ضرورة ان تكون الحكومة القادمة كنتيجة للانتخابات المبكرة ذات ديناميكية عالية مع رؤية ثابتة لمشاكل الدولة وعدم الحيد عن الخطوات المرسومة لحلحلة تلك المشاكل وان لا يكون من يقف على قمة الهرم للمؤسسات الحكومية المختلفة طارئ عليها وان توافق خبرته ما يكلف به من مهام وان تكون عربة الترولي للحكومة القادمة هادئة المسيرة لتهيئ سعة زمنية كافية لاتخاذ القرارات من دون ضغوطات الفعل ورد الفعل، كما ونجد من الامور الحتمية استمرار العمل مع الحكومة الحالية لغرض انجاح الانتخابات المبكرة من خلال تهيئة الظروف السياسية لتلك ومنع استخدام مقدرات الدولة كعامل انتخابي للمرشحين الذين لديهم مناصب في مختلف المرافق في الدولة العراقية مما يخلخل مبدأ تكافل الفرص للمرشحين مما قد يخلخل معادلة الفوز وينعكس على الحكومة القادمة .