باركنسون العراق

د. طورهان المفتي
07/10/2021

قبل الخوض في التفصيل نود ان ننوه باننا لا نقصد بهذا المقال مرض باركنسون والذي هو مرض (شلل الارتعاش) والذي يصيب البعض في المراحل العمرية المتقدمة غالباً(وسنأتي بمقال مفصل حول ذلك و اسقاطاته في العراق) وانما ما نقصد به هنا هو قانون باركنسون والذي يتركز حول حيثيات ادارة الوقت واستثماره.
بكل بساطة يمكن تعريف قانون باركنسون بانه حالة تمدد للمهام المحددة والمجدولة لتحوي جميع الوقت المخصص لتلك المهام و متمددةً لتشغل جميع المديات الزمنية، بتعبير ادق يمكن ان نقول بان هذا القانون يلقي الضوء على على احداثيين (س،ص) حيث يمثل (س) الخط العمودي المتمثل بالوقت او الزمن اللازم، في حين يمثل الخط الافقي (ص)مراحل انجاز المهام، فنجد في هذه الحالة وعلى سبيل المثال، هناك مهمة ولنسمها (ن) ولهذه المهمة خمسة مراحل ، المدة اللازمة لانجاز (ن) مائة يوم (المنحني باللون الاصفر)، لكن مع عدم وجود ادارة مثلى للوقت فان المهمة (ن) سوف تتم انجازها بوقت فعلي مقداره اربعمائة يوم وقد يستمر الى فترات اطول (الخط الازرق).
ان هذا المثال يقودنا الى ان نشخص ضياع جهد ثلاثمائة يوم اضافي في انجاز مهمة لا تتطلب اكثر من مائة يوم فقط مما يسلط الضوء على عدة نقاط والتي تعمل كمتوالية حسابية في المدخلات ومتوالية هندسية في المخرجات و النتائج (بمعنى اخر ان الاخطاء المتعلقة بالنتيجة تكون اضعاف تلك الاخطاء اثناء العمل وهذا يؤدي الى فشل اي مؤسسة مهما كانت كبيرة او مستقرة فما بالك بدولة هشة مثل العراق حاليا)، وهذه النقاط التي تعمل ضمن هذا المجال هي :
1 ـ كيفية وضع الخطط التنفيذية.
2 ـ كيفية وآلية تسنم الوظائف القيادية.
3 ـ مدى الالمام بحيثيات وخلفيات الخطط.
4 ـ مدى احترام الزمن .
والان لنقوم باسقاطات النقاط اعلاه على الوضع الحالي في العراق، تُرى ماذا سوف نجد ؟
كيفية وضع الخطط التنفيذية
نعني بهذه النقطة مدى تواجد الرؤية الفعلية من عدمها عند وضع الخطط التنفيذية كالمشاريع الحكومية سواءا كانت تشغيلية او استثمارية وعلاقة هذه الخطط والمشاريع بالمهام الصميمية لهذه المؤسسة او تلك ومدى تمدد المؤسسات الحكومية على بعضها البعض نتيجة ضبابية الحدود الفاصلة للمهام ، وهذا ما نجده في الخطط للحكومة الاتحادية وتقاطعاتها مع صلاحيات و اتجاهات الحكومات المحلية والتي تناضل في التمسك بصلاحياتها القانونية امام تمدد لبعض الجهات من الحكومة الاتحادية عليها وكذلك الحال بالعكس ولكنها قليلة اذا ما قورنت بالتمدد للحكومة الاتحادية على المحافظات .
كيفية وآلية تسنم الوظائف القيادية
لقد تطرقنا في مقالات سابقة حول هذا الموضوع وبينا بان عدم استخدام المعايير الوظيفية وتجاهل عامل الخبرة في الاختيار اضافة الى العمل وفق المتطلبات السياسية ورغبة القائمين على الامر في الاستدامة ، ادت وتؤدي في اغلب الاحيان الى وجود فجوة واسعة وكبيرة بين المؤسسة وقياداتها وادارتها، مما تنعكس سلبيا في وضع الخطط وتحديد الاوليات و الفترات الزمنية وذلك بسبب قصور رأس الهرم في تلك المؤسسات الى المعايير الوظيفية او الخبرة او ماشاكل ذلك .
مدى الالمام بحيثيات وخلفيات الخطط
وهنا مع عدم وجود الشخص المناسب في المكان المناسب والاعتماد على معايير غير مهنية في التوكيل للمهام ، سوف تكون النتيجة عدم معرفة خفايا والتزامات الخطط اضافة الى الاولوية في انجاز المشاريع ورسم السياسة للمؤسسة مروراً بقابلية التواصل مع المرؤوسين وصولا الى التلكؤ في كل ماذكر اعلاه وانتاج خطط كسيحة غير قابلة للتطبيق .
مدى احترام الزمن
تقاس مدى نجاح الحكومات بمقدار احترامهم للزمن والاتي من خلال متابعة وانجاز خططهم ضمن اوقاتها المحددة، ويمكن القول بان الزمن من الحقائق المطلقة والتي مخالفتها تؤدي الى الزوال والتقادم و الموت . وعلى هذا الاساس فان عدم احترام الزمن وعدم جعله في اولويات المؤسسات سوف يؤدي قطعيا الى تقادم وموت هذه المؤسسات حتى ان كانت هذه المؤسسة دولة قائمة، ولاجل هذا نرى الدول المتقدمة تعطي في اولى اولوياتها الاحترام والتقيد بعامل الزمن وعدم التهاون في تضييعه وتسويفه.
ماذا الان ؟
العراق ومنذ عدة عقود يمر بازمة تليها ازمة، وكل ازمة تأخذ من عمر العراق الشيء الكثير، كما وان كل ازمة تضيف على العراق اعباء اضافية وتضيق عليه فسحة العيش والاستمرار، ولاننسى التدهور المؤسساتي وضياع ثرواته المتمثلة بهجرة العقول وتهميش الاشخاص الذين يملكون رؤية بناء وترميم الدولة، وكذلك حجم الاموال الطائلة التي ضاعت في حروب ومغامرات عبثية وصولاً الى محاربة الارهاب و انهيار البنى التحتية، وكذلك الاختناقات السياسية والتي تؤدي بالضرورة الى عدم وجود معايير حقيقية لبناء البلاد او المحافظة على ما يمكن المحافظة عليها في اقل تقدير، فجميع السلوكيات والاجراءات بدون استثناء شارك في قضم جزء معين من عمر العراق ومن فرص استقراره ، لكن الاوان لم يفت بعد رغم كوننا اقرب الى نفاذ الوقت ولكن لاتزال هناك فرصة للترميم وايقاف التدهور (والذي قد ياخذ عشر سنوات لايقاف التدهور والتراجع القهقري) لنشرع بعد ذلك في البناء وهذا لايكون الا من خلال الحكومة القادمة التي سوف تنتج ايضا من خلال نتائج انتخابية .
وعلى ما ذكر اعلاه يجب على القائمين على الامر وتلك الكتل التي سوف تشكل الحكومة من اعلى الهرم واعلى سلطة تنفيذية الى بقية مفاصل الدولة ان تعتمد في اختيار شخوص الحكومة القادمة واركان الدولة التنفيذية من خلال قابلياتهم الفذة في ادارة البلاد و معرفة الخبايا الادارية والالمام بصغائر الاشكالات قبل كبائرها مع توفر المعيار الوظيفي وقابلية اتخاذ القرارات والتي تؤدي بجميعها الى احترام الزمن وعدم التمدد في عمر الخطط الحكومية والتي تخبو قبل ضيائها بسبب ضياع الزمن واستنفاذ عمر الحكومة، اما الابقاء على نفس النمط السابق في اختيار اركان الدولة فانها سوف تكون القاضية ،فالحقيقة ان الحكومة القادمة لديها اختيارين اثنين لا ثالث لهما والذين يشكلون تلك الحكومة القادمة سوف يتحملون جميع نتائجها في اختيار احدى الاختيارات الاثنين والتي هما :
اما المسمار الاول في اعادة بناء صرح البلاد .
او المسمار الاخير في نعش البلاد.
ولاتوجد بين الاختيارات اختيار وسطي فهذه الاختيارات اما باللون الابيض او باللون الاسود .