تأملات في حضرة الوطن

لقمان عبد الرحيم الفيلي
26/04/2022

لنتصور اننا، ابناء وادي الرافدين، اتفقنا جميعا على حياكة سجادة يدوية ولنسمها "وطن"، وهنا ياتي السؤال عن ما هي النقشات والرسومات والاشكال الهندسية التي نريدها  ان تزين وجه  هذه السجادة؟ لنقل باننا اتفقنا على رسومات ونقشات جميلة تعكس غنى تاريخ وادي الرافدين وحضاراتها وتطلعاتها.  السؤال الثاني ما مدى قوة تحمل هذه السجادة من حيث المواد والخامات لاثر الزمن وتغير المناخ  عليها؟ لنقل بانها مرنة ولها متانة وستتحمل متغيرات واعباء الزيادات الديموغرافية والمناخية وتعقيدات العولمة. وهنا ياتي السؤال الثالث عن قوة وقدرة  هذه السجادة على المحافظة على جمالها ومتانتها في حال استعمالها  وفرشها للارضيات والاستهلاك العملي،  لا ان تبقى معلقة تزين  الجدارن فقط؟ لنقل بانها عملية وممكن جدا ان تستهلك وتجدد حيويتها وادامتها ومقاومتها للمناخ الحار والبارد والجاف. اذن نحن امام ثلاثة تحديات اساسية علاوة على المهارات والخبرات العالية المطلوبة للحفاظ على متانة وجودة السجادة وللاطمئنان على جماليتها ومرونتها وقوتها  العملية.
وعليه تبدو حياكة "وطن" بهذه الخصال الثلاثة لا يمكن ان تاتي من فراغ وبالتمني بل تحتاج الى حياكة سرديات جميلة ذات متانة وعمق وان تكون ذات قابلية لاحتواء  متغيرات الجغرافيا والتاريخ والاجتماع. ولكي نضمن مهارة وقدرات الحائك العالية للسجادة "الوطن" من الضروري ان نتذكر مقولة اقتبسها  هنا من رواية خيالية مشهورة لجورج اورويل واسمها "ألف وتسعمائة وأربعة وثمانين" (التي كتبت أيضًا باسم 1984) والتي تقول "من يسيطر على الماضي يسيطر على المستقبل، ومن يتحكم في الحاضر يسيطر على الماضي".
يا ترى كم هي درجة سيطرة الحائك على حاضره لكي يستطع ان ينتج سجادة "وطن" جديرة بجمالية وادي الرافدين وعمقها الحضاري وتطلعها المستقبلي؟ ينبغي ان لا ننسى ان السيطرة على الحاضر، كمقدمة للسيطرة على المستقبل، تحتاج الى مقومات عديدة منها قيادة ذات معرفة معمقة بتاريخ بلدها ومقدرة على رسم مستقبلها، وفنون ومهارات وعلوم الادارة التي تمكنها من التحكم والسيطرة  على هذا "الوطن" ولا تتركه نهبا  للفرص والحظوظ أو مكائد الاشرار.
كذلك ينبغي ان تتصف هذه القيادة بقلب قوي ومتانة قرار وارادة تفرض نفسها وسط متغيرات الزمان والجغرافيا، ارادة لا تردد فيها ولا مساومة على متانة وجودة عملية حياكة "وطن" بما فيها السرديات الايجابية البناءة المطلوبة في عملية البناء.
ماذا عن ماهية السرديات السابقة لل"وطن" والموقف منه؟ فمنها السلبي المغروس في عمق تاريخ وادي الرافدين وتحتاج الى مراجعة وتحديث قيمي او هوياتي او معتقداتي وليس تحديث ممارساتي او سلوكي فقط، ومنها  المشوش الذي لا تعرف اين مكامن الحقيقة فيه من الخيال وتحتاج الى ايضاح، وبعضها الايجابي الذي تستطيع ان تحييه من جديد وتكون للحائك عوناً في حياكته لجمالية السجادة المنشودة.
دعونا نحن ابناء وادي الرافدين صناع "الوطن" نراجع هذه السرديات بمختلف الوانها وماهياتها ونصححها ان تطلب الامر لاننا ان تنازلنا عن هذا الشرط فسنرى سجادة "وطن" جديدة مشوهة تعكس كل مخاوفنا ومحاذيرنا. فحياكة "وطن" لا ياتي من فراغ وعدم، بل من خلال تكاتف ابنائه وتعاضدهم على خلق سرديات جديدة تضيف للسجادة جمالية ورونقاً وجودة. 
لنخلق لانفسنا سرديات ايجابية جديدة عديدة، حول (مثل عليا) نتفق عليها، حول هوية وطن معالمها واضحة نتمسك بها ،حول قيم انسانية ووطنية بناءة تترسخ فينا؛ حول اهداف واقعية ممكن ان نصل لها بعد عقد او اقل من الزمن؛ حول طبيعة دور معقول ومؤثر في اقليمنا المضطرب؛ حول تحديد شركاء استراتيجيين للعراق من البلدان والمنظمات الدولية لا نختلف حولها كثيرا؛ حول برامج ومشاريع وطنية كلنا نستفيد منها وتربط مصالح محافظاتنا مع بعض؛ حول كيفة خلق سياسات عامة تعتمد على التعايش والتشاور والتوافق؛ واخيراً حول منهج جديد ننتهجه معاً قائم على معادلة ربح-ربح في تعاملاتنا مع بعضنا البعض. 
شأنا ام ابينا سنرى خلق سرديات جديدة نتيجة ديناميكية منطقتنا وبلدنا وتعقيداتها وتداعيات تركتها الثقيلة، ولكن هل لنا نحن ابناء الرافدين دور في رسمها وهندستها وماهيتها الايجابية ام سنتركها للاجانب ومن لهم اجندات قد لا تخدم وطننا الذي نعيش ونتعايش فيه؟. حياكة السجادة الفاخرة حاجة و فن نحتاج ان نتعلمه ونجيده، مع بعض الصبر، لكي نخلق ونحيك لانفسنا سرديات وطن جديدة تخدم اجيالنا القادمة وشبابنا الواعد.