الصدر بين العزلة المفاجئة والعودة المثيرة

فرهاد علاء الدين
28/06/2022

وسط تكهنات باحتمال تراجعه عن قرار الانسحاب من العملية السياسية قطع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الشك باليقين حينما خاطب أعضاء كتلته البرلمانية المستقيلة بقوله "أود أن اخبركم شيئاً واحداً، أني قررت الانسحاب من العملية السياسية كي لا أشترك مع الفاسدين بأي صورة من الصور لا في الدنيا ولا في الآخرة".
 يأتي تأكيد الصدر هنا في معرض لقاء عقد في الحنانة يوم 15 حزيران الجاري لينهي الجدل الدائر حول احتمال بات يتردد، مفاده منح النواب والهيئة السياسية للتيار حرية العودة في حال اعتزال الصدر العمل السياسي بلا عودة.
 بحسب متابعين يمكن وصف قرار الصدر بزلزال سياسي أربك المشهد الملتبس والمتوتر أصلاً، والذي لم يعرف الاستقرار منذ تشكله عام 2003 حتى يومنا هذا، والذي يعد أول انسحاب من نوعه يقدم عليه الصدر منذ عام 2006 برغم فوزه الساحق بنحو 73 مقعداً برلمانياً وسط تراجع لافت، ليس لمنافسيه من القوى الشيعية فحسب بل لأغلبية القوى السياسية المشاركة بأول انتخابات مبكرة يشهدها العراق. هذا الانسحاب الذي أفقد شريحة واسعة من الطيف الشيعي تمثيلها النيابي المؤثر، وبالذات الطبقة الفقيرة والمعدمة التي تعاني من شظف العيش.
 انسحاب الكتلة الصدرية رافقه انسحاب حركة حقوق، الجناح السياسي لكتائب حزب الله، إذ أكد رئيس الحركة حسين مؤنس قائلاً "اتخذنا قراراً بالانسحاب من مجلس النواب وعدم إشغال مقاعد المستقيلين لأننا لن نكون بديلاً عن الأخوة في الكتلة الصدرية". علماً أن حركته كان من المقرر لها الفوز بخمسة مقاعد إضافية جراء انسحاب الكتلة الصدرية.
 زعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي دعا من جانبه يوم 24 حزيران إلى إعادة الانتخابات بعد انسحاب التيار الصدري بقوله "أدعو إلى اتفاق سياسي لإعادة الانتخابات بعد تعديل قانون الانتخابات وإلغاء التصويت الإلكتروني وإجراء تغييرات مهمة في المفوضية". مبرراً دعوته بالقول "الخلل الآن أعمق وأكثر تعقيداً، ولا يمكن تشكيل حكومة في ظروف هادئة وتستطيع أن تنجح". إلى ذلك توصل الإطار التنسيقي لاتفاق مع تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكوردستاني لعقد جلسة أداء اليمين الدستورية للنواب البدلاء بعد تقديمه تنازلات لتحالف السيادة والحزب الديمقراطي شملت الموافقة على إجراء تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب تضمن إلغاء تسمية هيئة الرئاسة واستبدالها بعبارة الرئيس ونائبيه، وتلاوة بيان في ذات الجلسة يقر فيه الإطار التزامه بحل المشاكل بغداد وأربيل وتمرير قانون النفط والغاز.

أسباب انسحاب الصدر
 اختلف المهتمون بالشأن العراقي إزاء أسباب انسحاب الصدر وما سيخلفه من انعكاسات وتداعيات على مجمل العملية السياسية، وإزالة الغموض الذي مازال يكتنف دواعي ودوافع قرار الصدر الذي فاجأ به كافة الأوساط السياسية ومعها الشارع العراقي، وذهب الكثير صوب وجود تهديدات داخلية وخارجية تقف وراء القرار، مما دفع زعيم التيار لإصدار بيان بهذا الصدد في 22 حزيران نافياً تعرضه لمثل تلك التهديدات موضحاً "ما يشاع على أن سبب انسحابنا كان تهديداً إيرانياً... هو كذب ولا صحة له" عازياً انسحابه إلى إبعاد نفسه عن جهات لم يحددها بالاسم ولا يريد "مشاركتهم في الإجهاز على ما تبقى من العراق".
 بيان الصدر أثار تساؤلات أخرى أكثر مما طرح إجابات لتساؤلات سابقة، إثر مناشدته لشركائه بالتحالف الثلاثي باتخاذ "موقف شجاع من أجل الإصلاح وإنقاذ الوطن وعدم مسايرة ضغوطاتهم الطائفية، فهي كفقاعة لسرعان ما تزول"، لم يعرف المغزى من هذه المناشدة ولماذا يطالبهم باتخاذ "موقف شجاع" وهل أنه أصيب بخيبة امل منهم عندما ذهبوا مع الإطار بدل اتخاذ الموقف المطلوب.

الصدر بين العزلة والعودة
 رسالة الصدر في لقاء الحنانة مع أعضاء كتلته المستقيلة يوم 15 حزيران، هي الأخرى ألقت المزيد من الغموض على موقفه، ففي الوقت الذي أكد بأنه لن يشترك مع الفاسدين في الدنيا والآخرة، إلا أنه استدرك قائلاً "في حال اشتركنا في الانتخابات المقبلة فأبقوا نساء ورجالاً على أهبة الاستعداد، ولا تتفرقوا وتكاملوا سياسياً وعقائدياً وبرلمانياً وقانونياً وتواصلوا مع الشعب العراقي". والذي يشير بوضوح إلى استعداده للمشاركة مجدداً في الانتخابات ولكن بشروط لم يفصح عنها.
لم يعلن زعيم التيار الصدري حتى اللحظة عن موقف صريح بقول قاطع، إذ وصف جلسة الحنانة بأنها "جلسة الوداع" لكنه لم يوضح هل هو وداع مع مجموعة النواب الذين يجلسون أمامه أم أنه يودع تياره الصدري أم أنها إشارة إلى مغادرته عالم السياسة بلا رجعة.
 في حين ذكر في بيان أصدره يوم 22 حزيران "الحمد لله أن منّ الله علينا بالاعتزال عنهم وعن مخططاتهم... حباً بالعراق وأهل العراق"، أي أنه لم يعتزل السياسة وإنما اعتزل التعامل مع الطبقة السياسية الحاكمة.
 معظم المراقبين يعتقدون بأن الصدر سوف يستخدم الشارع المنتفض لضرب العملية السياسية القائمة بطبقتها الحاكمة، ليفرض شروطه واشتراطاته على هذه الطبقة عاجلاً أم آجلاً، وأنه يرى حظوظه أكبر باصطفافه مع الشارع بدلاً من التوافق مع طبقة سياسية حاكمة، لكن مراقبين يتوقفون عند هذا الحد، مفترضين أن التيار الصدري سيعود إلى دخول الانتخابات مرة ثانية أو بعد إجراء بعض التعديلات الدستورية البسيطة. إلا أن هذا الرأي قد يكون قاصراً أمام ما يفكر به الصدر، إذ أن تخليه عن أكبر كتلة برلمانية لن يكون من أجل العودة إلى الانتخابات مرة أخرى وتكرار المواجهة مع الثلث المعطل الذي يمكنه الحيلولة دون تحقيق الفائز الأكبر لمساعيه برلمانياً وحكومياً على حد سواء.
من هنا يمكننا القول بأن الصدر إذا لم يقرر اعتزاله السياسة فهو يعد العدة لتنظيم تظاهرات حاشدة وعلى نحو غير مسبوق تهدف للضغط باتجاه إجراء تعديلات جوهرية على النظام السياسي برمته. إلى ذلك نجد أن معظم أدبيات التيار الصدري وطروحات قياداته تذهب نحو ضرورة تعديل الدستور وتغيير النظام من برلماني إلى رئاسي وانتخاب رئيس الجمهورية والمحافظين بشكل مباشر. لذا ليس من المستبعد وفي حال لم ينجح التيار في تحقيق متبنياته بهذا الصدد، الذهاب إلى آخر الحلول بتبنيه لانتفاضة شعبية عارمة تطيح بالنظام القائم وإحلال نظام بديل يختلف كلياً عن سابقه. وقال جليل النوري، أحد المقربين من زعيم التيار الصدري في تغريدة له يوم ٢٥ حزيران: "الوضع المُربَك والغير مُستَقر للبلد وما سينتج عنه في قادم الأيام من أحداث لن يسلم من نارها أحد".
 مراقبة التيار الصدري لمجريات ومسارات المشهد السياسي لم تتوقف يوماً، وقد أصدر وزير زعيم التيار الصدري محمد صالح العراقي بياناً شديد اللهجة يوم 24 حزيران انتقد فيه القوى السياسية واتهمهم "بزج وزير صدري من التيار أو منشق أو مطرود أو متعاطف في الحكومة التي يودون تشكيلها"، في محاولة "إسكات الشارع الصدري من جهة، واتهامه بالمشاركة في حكومة الفساد من جهة أخرى"، نافياً وجود تفاوض مع أي كتلة سياسية بهذا الشأن "فليس من أحد يمثلنا في مفاوضات أو حوارات أو أي شيء من هذا القبيل".
 يختلف تقييم المراقبين حول حراك الصدر وانسحابه، إذ هناك من يعتقد بأنه ارتكب خطأ استراتيجياً وسيدفع ثمنه غالياً، وهناك آخرون يعتقدون بأن الصدر احتسب الأمور بشكل جيد ويعلم بأن القارب على وشك الغرق فاختار القفز منه بدل الغرق معه.
 من كل ما تقدم يتجلى واضحاً موقف الصدر وتياره المتمثل بعدم ترك الساحة السياسية وبالتالي عدم تخليه عن قواعده الشعبية التي كانت السبب لتسيده المشهد السياسي ووقفت خلف زعيمها ودعمته ليكون الأوفر حظاً وحضوراً وتأثيراً على مستوى العراق، وأنه سيعود بشكل أو بآخر، لكن أحداً لا يمكنه التكهن بكيفية وتوقيت العودة. في المقابل، خصوم الصدر يدركون جيداً حقيقة وخطورة عودة الصدر من خلال انتفاضة شعبية أو حراك سياسي كفيل بقلب المعادلة، لذا فإنهم يعدون العدة لتقليل تأثير التيار قبل وبعد عودتهم إلى الساحة السياسية أياً كانت طريقة العودة. بين عودة الصدر المرتقبة وما ينتج عن ذلك، يبقى العراق في عين العاصفة تهزه الأزمات السياسية والاجتماعية والأمنية بلا هوادة.
رئيس المجلس الاستشاري العراقي