يمكن تعريف كلمة (الرفاهية) بانها تلك الحالة التي فيها حلول للمشاكل
(الاقتصادية-الاجتماعية) بشكل لا يؤثر سلبًا على السلوك العام للفرد او مستواه
المعيشي والاجتماعي ،وعلى هذا الاساس تسابقت الاختصاصات الانسانية لوضع تعاريف
وتطبيقات عديدة لهذه الكلمة والتي تحولت الى مصطلح اجتماعي واقتصادي ، ومن هذا
المصطلح (الرفاهية) خرجت علينا نظريات
ورؤى ادارية جديدة لمنظومة الدولة وسميت ب(دولة الرفاهية) ،كمصطلح يشير الى
حماية الدولة لحقوق المواطنة وتوفير وادامة وتعزيز الراحة الاقتصادية والاجتماعية
للمواطنين والتركيز على مبدأ تكافؤ الفرص وتوفير العيش الكريم لمن لايمتلكون
مقومات المعيشة وكذلك التوزيع العادل للثروة او الثروات الوطنية .
من جميع ما سبق طرحه فان (دولة الرفاهية) تعني تلك المعيشة السلسة
للمواطن وعدم وجود منغصات فعلية غير متوقعة في مسيرة حياته وفوق هذا وذاك وعدم
وجود الشعور بالغبن والذي ينتج منه الاضطرابات الفردية والتي بالنتيجة تكون منعكسة
على المجتمع ليولد الاحتقان و الاختلاف الطبقي واختفاء الاستقرار المجتمعي .
يبدو جلياً ان المنظومات الحكومية في الدول المتقدمة وضعت هذا
المصطلح امام اعينهم وعلى هذا الاساس وجهت محركاتها الاقتصادية والخدمية لتكون
النتيجة الاستقرار المجتمعي لتلك الدول ،علماً ان تقييم هذا الاستقرار يعتمد على
المقارنة الداخلية والخارجية للدول،فالمقارنة الداخلية تكون من خلال استخدام نماذج
احصائية غير منحازة ومقارنتها مع بعضها البعض من خلال تعريف سبل المعيشة لديهم ،
اما المقارنة الخارجية فهي ايجاد مشاركات او اختلافات بين الدول في مدى تطبيق اسس
وتفرعات (دولة الرفاهية) .
بتعبير مختصر يمكننا ان نقول ان ( دولة الرفاهية ) قائمة على نقطتين
مهمتين هما :
1- المواطنة .
2- التوزيع العادل للثروة الوطنية.
الدستور العراقي ضمن معادلة الرفاهية
اشار الدستور العراق الحالي والذي اقره الشعب العراقي سنة ٢٠٠٥ الى
فقرات مطولة ومسهبة حول (دولة الرفاهية) وان لم يذكر هذا المصطلح في الدستور بصورة
صريحة .
ففي نقطة المواطنة .
ورد في الدستور العراقي وعلى سبيل مثال وليس الحصر وضمن المواطنة
(تكافؤ الفرص والتساوي بين المواطنين
)نجد ان (المادة 14 )نصت على
(العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو
الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو
الاجتماعي .) مما اعطى الدستور وبصورة واضحة غير قابلة للجدل مفهوم المواطنة
والتساوي بين المواطنين وحيث ركزت ايضا هذه المادة في التساوي امام القانون وذلك
في اشارة واضحة الى سيادة او حتمية سيادة القانون في الدولة مما يضفي مقوم اخر الى
الدولة العراقية في الوصول الى (دولة الرفاهية) حيث لا سلطان على المواطن الا
القانون.
اما (المادة 16 )فقد جاءت بالهدف بصورة مباشرة من خلال ذكر مصطلح
تكافؤ الفرص ،فقد نصت (المادة 16 )على
(تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الاجراءات
اللازمة لتحقيق ذلك .) فقد حمل الدستور هذه المسؤولية على الدولة وليست الحكومة
لوحدها وانما كل ما موجود في الدولة من اجهزة حكومية وغير حكومية وصيغ مجتمعية
مختلفة ، مما تعطي مؤشراً قوياً وواضحا الى حتمية التساوي والتكافؤ للمواطنين في
العراق.
هذه المادتان وبالطبع هناك مواد وفقرات اخرى في الدستور اشارت بما
لايقبل الشك بحق المواطنة السوية البعيدة عن التمايز ووجود مواطنين بدرجات مختلفة
كما ضمنت هذه المواد سيادة مصطلح المواطنة على المسميات الاخرى مع اعتزاز الدستور
بتلك المسميات والاتجاهات الاخرى كمكونات او جهة انتساب .مما يعني بصريح العبارة
ان العراق وان كانت دولة مكونات الا ان المواطنة تاتي قبل ذلك ولاشيء قبل المواطنة
الا سيادة القانون .
ناتي بعد ذلك في نقطة التوزيع العادل للثروة الوطنية
ايضا لم يغفل الدستور العراقي هذه النقطة المهمة ،فقد وردت فقرات
ومواد دستورية تنص بصورة مباشرة على التوزيع العادل للثروة الوطنية ،منها( المادة
106 )والتي نصت على (تؤسس بقانون هيئة
عامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية وتتكون الهيئة من خبراء الحكومة الاتحادية
والاقاليم والمحافظات وممثلين عنها وتضطلع بالمسؤوليات الاتية:
1. التحقق من عدالة توزيع المنح
والمساعدات والقروض الدولية بموجب استحقاق الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في
اقليم .
2. التحقق من الاستخدام الامثل للموارد
المالية الاتحادية واقتسامها .
3. ضمان الشفافية والعدالة عند تخصيص
الاموال لحكومات الاقاليم أو المحافظات غير المنتظمة في اقليم وفقا للنسب المقررة
.) فقد اشارت هذه المادة بصورة جلية الى عدالة التوزيع للثروات الوطنية بين
الاقاليم والمحافظات مما يضمن وصول الثروة الى الوحدات الادارية في البلاد بصورة
متوازنة الاجهزة الاتحادية والمحلية فيما بعد بترجمة هذه الثروات الى حقوق مادية
للمواطنين والى مشاريع واستثمارات بما
يضمن العيش الكريم للمواطنين في البلاد ، ونجد اصرار الدستور العراقي على
التوزيع العادل للثروة في تلك الفقرات التي يتكلم فيها الدستور عن النفط والغاز
. فقد وردت في (المادة 112-أولا )ما
نصها (تقوم الحكومة الاتحادية بادارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع
حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة على ان توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع
التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد، مع تحديد حصة لمدة محددة للاقاليم المتضررة
والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق والتي تضررت بعد ذلك بما يؤمن
التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد وينظم ذلك بقانون .) هنا قطع
الدستور العراقي الشك باليقين في اهمية التوزيع العادل للثروات الوطنية واهمها
النفط والغاز .
مما تم ذكرها اعلاه من فقرات دستورية وعلى سبيل المثال وليس الحصر يؤكد ان الدستور العراقي ينحو باتجاه (دولة
الرفاهية) مما يجعل العراق من البلدان المستقرة والمتطلعة الى منافسة الدول الاخرى
في هذا المجال .
ماذا لدينا في العراق
ان واقع الحال في العراق يختلف عن ما تم ذكره في الدستور العراقي من
ناحية وجود (دولة الرفاهية) ذلك ان الدستور العراقي ينظر الى البلاد في حالته
المستقرة وعدم وجود اختلالات وارادات متمددة او متقاطعة في البلاد ،ففي واقع الحال
مر العراق منذ 2005وهو تاريخ سريان الدستور العراقي ،فقد مر البلاد بتحديات كبيرة
وكثيرة بحيث يمكننا القول بأن اية تحدٍ من هذه التحديات تكون كفيلة ببعثرة وتقسيم
اي كيان سياسي ، لكن العراق حافظ على وحدته امام تلك التحديات والتي تمثلت باقتتال
داخلي مرعب من جهة وفعاليات ارهابية دولية من جهة اخرى وصولاً الى داعش والتي كانت
اعتى قوة ارهابية في التاريخ الحديث وجدت على الارض ، ولا ننسى التحديات
الاقتصادية ،ورغم ذلك خرج العراق معافى واستطاع لملمة جراحه والبقاء واقفاً بمصاف
بقية دول المنطقة.
الان العراق قد تجاوز جميع هذه التحديات وهو اي العراق حالياً دولة
مستقرة نسبيًا مع وجود امل كبير في النمو الاقتصادي ، مما يجعل القائمين على الامر
ونحن على اعتاب تشكيلة حكومية جديدة ان ياخذوا بنظر الاعتبار بناء العراق ك(دولة
رفاهية) حيث ان الاجواء مناسبة جداً لذلك ويكون ذلك ب:
1- وضع برنامج حكومي واقعي بعيد عن
النظريات والتنظير .
2-اختيار شخوص اكفاء لادارة مرافق الدولة
المختلفة .
3-وضع خطة ستراتيجية لعشر سنوات في اقل
تقدير ووضع محددات لعدم تغير هذه الخطط مع التغيرات الحكومية .
4-سن تلك القوانين المهمة التي توفر
الارضية المناسبة لمفهوم المواطنة والتوزيع العادل للثروات الوطنية.
ولتكون الحكومة القادمة حكومة خدمات ومواطنة وادارة مثلى للمقومات
الاقتصادية وانطلاقة فعلية لدولة الرفاهية .