عندما تسرق السلطة نفسها

د. ماجد الساعدي
26/11/2022

تتفق الدراسات الدولية حول النتائج المتوقعه مابعد سقوط وتغيير  الانظمة وخصوصا بالقوة العسكرية الخارجية “ Forced State Failure “ ومنها الاقتتال الداخلي وتضارب المصالح والفساد وظهور الميليشيات المسلحة وامراء الحرب والانتهازيين من النظام السابق . 
ان هذه الافرازات المتوقعة وخصوصا في بلدان العالم الثالث سرعان ما تنصهر في العملية السياسية وتتحول الى احزاب سياسية  تنافس الاحزاب الاخرى ومصالح قوية مؤثرة في كل مفاصل الدولة الجديدة ونظامها السياسي . 
كما يؤدي السقوط القسري للانظمة الى ولادة معادلات اقتصادية جديدة وطبقة رجال اعمال جديدة هي الأخرى لا تنطبق عليها معدلات  الثراء والنمو الاقتصادي الطبيعي ولا تمارس اعمالها ضمن الاعراف والضوابط المتعارف عليها في عالم الاعمال من الحصول على العقود وتنفيذها، لكون اغلب هذه الاعمال مرتبطة بالطبقة السياسية الجديدة التي تبحث عن تعويض حرمانها بالربح السريع  بغض النظر عن التنفيذ والمواصفة والجودة ، لذا فأن اغلب هذه المشاريع لا تكتمل وتتعثر وتضيع اموال الدولة في غياب تام للرقابة والمحاسبة . 
ان من المتفق عليه ايضا فان هذه الظواهر تصبح مع الزمن وتطور النظام السياسي جزء من ثقافة الاعمال والمجتمع ويصبح الفساد جزء لا يتجزأ من بيئة الاعمال وادارة الدولة ،  الا ان ما شاهدناه خلال الاشهر الماضية  من اكتشاف ظاهرة جديدة  في العراق لم يتطرق لها اي باحث او مفكر في عالم السياسة أو الإقتصاد الا وهي سرقة المال العام( سرقة القرن ) بكل ما تعنيه الكلمه من معنى وباسلوب ذكي وبتخطيط عالي الدقة بالتعاون مع موظفي الدولة وبعض قادة الاحزاب الحاكمة والاجهزة الامنية  والمصارف الحكومية والاهلية والمنافذ الحدودية وهو ما حير العالم اجمع وخبراء الجريمة المنظمة حول العالم ليس من حيث الاسلوب فقط بل من حيق حجم المبالغ المسروقة ومنفذيها وعلاقتهم ببعض الاحزاب الحاكمة . 
لم يشهد التاريخ الحديث بل حتى القديم ان يسرق الحاكم نفسه او بساعد او يغض النظر عمن يسرق قوت شعبه مثلما حصل في العراق ، بالرغم ان الطبقة الحاكمة ليست بالفقيرة او المحتاجة ولديها لجانها الاقتصادية وامتداداتها في كل مفاصل الدولة وتحصل على استحقاقاتها المالية من خلال المحاصصة السياسية للنظام فضلا على الامتيازات المالية المبالغ بها لإفرادها بحكم هيمنتهم على المواقع الوظيفية العليا في الدولة .

اذا ماهو الدافع وراء هذه السرقة ؟ 
هل هي الحاجة لمزيد من الاموال ام الحاجة لارضاء النفس بدخول نادي المليارات ام تمعن في اهانة العقل العراقي وذكاء المواطن وتحدي النظام السياسي والامني والقضائي في بلد وصل فيه خط الفقر الى ٤٩٪؜ وارتفاع نسبة الأمية والبطالة وانتشار المخدرات والسلاح والعنف العشائري والمجتمعي الى مستويات غير مسبوقة بالرغم من ايرادات النفط العالية جدا . 
اسئلة محيرة وافعال مخزية وسكوت شعبي مذهل لم يعد يكترث لافعال وسرقات تمس قوته اليومي ومستقبل ابناءه . وماكشف قبل ايام من فضائح لسرقات كبرى في وضح النهار خير دليل على ماذهبنا أليه.
اللهم نسألك حسن الخاتمة